الأول من أيلول، موعد العودة إلى المدارس لفلسطينيي 48. لكن هذه المرّة في ظل قرارات عنصريّة اتخذتها الحكومة اليمينية لفرض الثقافة الصهيونية على الطلاب العرب، وهو ما يضاف إلى مشاكل ماديّة قد تمنع العديد من الطلاب الفلسطينيين من حقهم في التعليم
حيفا ــ فراس خطيب
كان الاكتظاظ سيّد الموقف في أحد مصارف حيفا أمس، على غير عادته في ساعات الصباح. فعلى الرغم من أنَّ «الزبائن العرب» ليسوا الغالبية في المكان، إلا أنَّ حضورهم أمس كان طاغياً. امرأة تجاوزت الأربعين تتحدث العبرية بصعوبة، تناقش موظفاً شاباً: «أقنعت إخوته بأن يستعملوا الحقائب القديمة، لكنَّه لا يزال في الصف الأول، يريد حقيبة جديدة وقلت له إني ذاهبة لأشتريها». لكنَّ الموظف الشاب، المعتاد ربما على هذه المشاهد، يلوّح لها بكشف الحساب الشهري: «حتى لو أردت إعطاءك مبلغاً، فالحاسوب لن يقبل».
من وراء «المشهد الاحتفالي» الذي يرافق الأول من أيلول، لقطاتٍ محزنة في كل مكان. فمع حلول كل عام تتسع الفجوات، ويزداد عدد العائلات غير القادرة على حمل الأعباء. وتفيد الإحصاءات بأنَّ أكثر من 20 في المئة من العائلات الفلسطينية في الداخل غير قادرة على إعالة نفسها بنفسها. المرأة تخسر معركتها أمام الموظف، ولا تخجل من دمعتها التي رآها كل من جلس على مقاعد الانتظار. اقتربت المرأة من شخص يبدو أنها تعرفه من قبل لتقول: «لو لم يكن الصغير لما تضايقت». ومضت تفكّر بطريقة للعثور على الحقيبة، أو بحجة لن تقنع صغيرها.
أكثر من 475 ألف طالب من فلسطينيي 48 سيتجهون إلى مقاعد الدراسة اليوم. المشهد واحد، لكنَّ القصص كثيرة، تبدأ بالظروف المادية الصعبة واتساع دائرة البطالة، ولا تنتهي باستهدافٍ سياسي للمناهج التربوية. وقد ابتكر السياسيون الإسرائيليون أيضاً طرقاً لفرض التاريخ على الفلسطينيين. ويسعى وزير التربية والتعليم الإسرائيلي جدعون ساعر (ليكود) إلى فرض مضامين جديدة، وصفها بعض الاختصاصيين بأنَّها «عسكرة» للتعليم. وبدلاً من اتخاذ قرارات تذيب الفجوات العميقة والتمييز الصارخ، وإيجاد حلول جذرية للنواقص بين المدارس العربية واليهودية، بثَّ ساعر مضامين لـ«تعميق القيم الصهيوينة وتخصيص حصصٍ تعليمية عن التراث اليهودي والصهيوني»، مقترحاً «مكافآت مقابل رفع نسبة التجنيد والخدمة الوطنية والمدنية».
قرارات استدعت رداً من لجنة متابعة قضايا التعليم للجماهير العربية، التي أصدرت بياناً أشارت فيه إلى أنّ الحكومة الإسرائيلية ووزارة التربية والتعليم «اتخذت في الأشهر الخمسة التي مضت سلسلةً من القرارات الخطيرة، وأبرزها منع إحياء ذكرى نكبة الشعب العربي الفلسطيني، وعبرنة اللافتات العامة، وفرض النشيد القومي الإسرائيلي في المدارس، وتشجيع الخدمة العسكرية والمدنية معياراً لمكافأة المدارس والطواقم التربوية والإدارية». وأكد البيان «أنه في حال إخراج القرارات إلى حيّز التنفيذ في المدارس العربية، فسيكون الجواب عنها رفض التنفيذ وإعلان العصيان». ورأت أنَّ حكومات إسرائيل ووزارات التربية والتعليم المتعاقبة على مدار أكثر من ستين عاماً «اتسّمت بأمرين اثنين: التجهيل والتمييز».
من يتجه إلى القدس المحتلة، فقد يجد الحياة أصعب. منذ سنوات، تعاني المدارس هناك من تمييز وإهمال ممنهجين؛ مدارس حكومية لا تتلقى الدعم الكافي، نقص في ألف غرفة تعليمية، نصف الغرف التعليمية غير صالحة أصلاً للاستعمال. وقد أظهر تقرير أعدّته جمعيتا «حقوق المواطن» و«عير عميم»، صورة قاتمة للجهاز التعليمي في المدينة المحتلة، حيث نحو 30 ألف طالب فلسطيني هناك لا يتوافر لهم إطار تعليمي في المدارس الرسمية، ما يدفعهم إلى المدارس الخاصة، فيما بقي 5500 طالبٍ خارج أي إطار تعليمي.