ليس معروفاً بعد ما إذا كانت التصريحات الشديدة اللهجة التي تبادلها المسؤولون السوريون والعراقيون أمس، تمهيداً يسبق التوصل إلى تسوية يكون عرّابها تركيّاً، أم ستأخذ الأمور مسار اللاعودة بين بغداد ودمشق
بغداد ــ الأخبار
تبادل المسؤولون العراقيون والسوريون، أمس، الانتقادات الأكثر حدة منذ اندلاع الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، إثر اتهام بغداد لدمشق بإيواء إرهابيين، وبذل حكومة نوري المالكي مساعي لإنشاء محكمة دولية تكون سوريا أحد أهدافها. وبدا أنّ جهود الوساطة، التي يتولاها وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو، لم تُترجَم سريعاً، إلا إذا كانت التصريحات العالية النبرة من الأدوات الضرورية التي ترافق عادةً ارتفاع حدة الأزمات، وتمهد للتوصل إلى حلّ وسط لا يرضي، ولكن لا يغضب أيضاً كلا الطرفين.
واستغل الرئيس السوري بشار الأسد لقاءه مع نظيره القبرصي ديمترس خريستوفياس في دمشق، ليعلن أنّه «عندما تتّهَم سوريا بقتل عراقيين وهي تحتضن مليوناً ومئتي ألف عراقي تقريباً، وهذا طبعاً واجبها، فهذا اتهام أقل ما يُقال عنه إنه لاأخلاقي»، مجدداً مناشدة السلطات العراقية تقديم أدلتها لحكومته تثبت تورّط سوريا في العمليات الأمنية التي تضرب بلاد الرافدين.
وأضاف الأسد «عندما تتهم سوريا بأنها تدعم الإرهاب فيما هي تحاربه منذ عقود، وكانت دول في المنطقة وخارج المنطقة تدعم الإرهابيين أنفسهم، فهذا اتهام سياسي ولكنه بعيد عن المنطق السياسي. وعندما تتهم بالإرهاب ولا يوجد دليل، فهذا خارج المنطق القانوني».
ومساءً، التقى الأسد داوود أوغلو الآتي من بغداد ليطمئنه مجدداً إلى أنّ دمشق هي «الأكثر حرصاً على أمن العراق واستقراره»، وذلك في بيان رئاسي أشار إلى أنه «من غير المقبول توجيه أي اتهامات غير مسؤولة إلى سوريا تسيء إلى مسيرة تطور العلاقات السورية ـــــ العراقية».

المبادرة التركيّة: التخلي عن المحكمة واجتماع أمني لعرض الأدلة ولقاء للمعلم مع زيباري
وأعرب الأسد، وفق البيان نفسه، عن «تقديره للجهود التي تبذلها تركيا وغيرها من الدول الصديقة لتنقية الأجواء بين دمشق وبغداد». وحضر اللقاء معاون نائب رئيس الجمهورية العماد حسن توركماني، ووزير الخارجية وليد المعلم.
وفي بغداد، كان المالكي مشغولاً برفع سقف الاتهامات، إذ جزم، بعد لقائه داوود أوغلو، أنّ 90 في المئة من الانتحاريين في العراق يأتون من سوريا، مجدداً مطالبة الأمم المتحدة بتأليف محكمة جنائية دولية لمحاكمة مرتكبي «الجرائم البشعة التي استهدفت أمن العراق واستقراره وسلامة شعبه وأودت بحياة العديد من أبنائه». كما كرّر مطالبة الحكومة السورية بتسليم المطلوبين عن تفجيرات «الأربعاء الدامي» الصادرة بحقهم مذكرات قبض بواسطة الشرطة الدولية، فضلاً عن «إخراج الإرهابيين والبعثيين والتكفيريين الذين يتخذون من الأراضي السورية مقراً ومنطلقاً للقيام بأعمال إجرامية داخل العراق».
ونقل بيان صادر عن مكتب المالكي قوله إنّ حكومته قدمت لسوريا منذ عام 2004 «أسماء وعناوين ومعلومات ووثائق وأدلة على أنشطة الإرهابيين وبعض الجماعات التكفيرية المعروفة ومواقعهم وطرق تسلّلهم عبر الأراضي السورية، وتلقّيهم دعماً لوجستياً ومعلومات عن القيادات البعثية على الأراضي السورية وتعمل على إعادة الدكتاتورية عبر ارتكاب الجرائم البشعة ضد العراقيين».
في المقابل، كان داوود أوغلو قليل الكلام، واكتفى بالطمأنة إلى أنه فهم الموقف العراقي وسينقله إلى دمشق. واقتصرت تعليقاته على إدانة «الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت المؤسسات الحكومية والمجمعات السكنية والمدنيين».
بدوره، أصرّ الرئيس العراقي جلال الطالباني، أمام ضيفه التركي، على الرغبة بإقامة «علاقات طيبة مع سوريا وباقي دول الجوار وحل جميع المسائل العالقة معها عن طريق الحوار والدبلوماسية بما يضمن أمن المنطقة واستقرارها».
وكان داوود أوغلو قد استهل لقاءاته العراقية باجتماع مع نظيره هوشيار زيباري، الذي رأى أنّ العراق يحاول أن يثبت «لهم (السوريون) الحقيقة، لكنهم يقولون كلها كذب، لذا سنلجأ إلى جهة محايدة هي المحكمة الدولية لنتحقق من هذا الأمر». حتى إن زيباري كشف أن «المحكمة الجنائية الدولية ليست تجاه سوريا فقط، وستنظر أيضاً بجميع التدخلات في الشأن العراقي»، واضعاً خطوة اللجوء إلى تأسيس هذه المحكمة في خانة «الوسيلة الردعية أكثر من كونها مقاومة».
وكانت صحيفة «الصباح» العراقية الحكومية قد أوضحت أنّ بجعبة داوود أوغلو 3 مقترحات لإزالة التوتر، ينص أبرزها على إقناع حكام بغداد بالتخلي عن مطلب المحكمة الدولية، وعقد لقاء عاجل بين زيباري ونظيره السوري وليد المعلم برعاية تركية في أنقرة. أما الاقتراح الثالث، فيقضي «بعقد لقاء أمني بين مسؤولين من البلدين لعرض الأدلة والمستندات التي تثبت تورّط بعض المقيمين في سوريا بالعمليات التخريبية في العراق».