صندوق النقد الدولي يجدد توقّعاته بتراجع النموّ إلى 4% ونمو الودائع إلى 10%في المدى القصير سيُلقي الركود العالمي والضيق المسيطر على أسواق الرساميل العالميّة بثقلهما على الاقتصاد اللبناني، وفقاً للورقة الأحدث التي نشرها صندوق النقد الدولي بالاستناد إلى مراقبته لتنفيذ برنامج المساعدة بعد الصراعات (EPCA).
فالصندوق يتوقّع أن تتراجع نسبة النموّ الاقتصادي في لبنان إلى 4 في المئة خلال العام الجاري، فيما يُرجّح تراجع معدّل نموّ الودائع في المصارف إلى 10 في المئة مقارنة بنسبة 15 في المئة مسجّلة في عام 2008. وبحسب ورقة البرنامج الأخيرة، تنبعث العوامل النزوليّة في السيناريو السيّئ المطروح من التقاء عوامل التذبذب السياسي الداخلي وعدم الاستقرار الإقليمي وضعف أكبر في الأوضاع الاقتصاديّة العالميّة والإقليميّة، وهي عوامل ستمتحن مجدّداً الجوانب الهشّة على الصعيدين المالي والاقتصادي في البلاد.
غير أنّ البرنامج، في إطار استعراضه لـ«التحدّيات المقبلة»، يشدّد على أنّ الانتخابات النيابيّة وتأليف حكومة جديدة وتطبيق البنود التي يتضمّنها برنامج «باريس ـــــ3»، جميعها إحداثيّات من شأنها خفض تأثير الجوانب الهشّة التي لا تزال موجودة في الاقتصاد اللبناني.
ومن المعروف أنّ الحجر الأساس في برنامج عمل «باريس ـــــ 3» هو «الخفض الإضافي في الدين العام كنسبة من الناتج المحلي، وتحديداً عبر زيادة معدّل الضريبة على القيمة المضافة»، إضافة إلى «إصلاح مؤسّسة كهرباء لبنان الخاسرة» وطبعاً خصخصة قطاع الاتصالات الخلويّة.
وتماهياً مع هذه «الخطط ـــــ الأهداف» يقول برنامج الصندوق إنّ على السياسة النقديّة الاستمرار في التصويب على/ وحماية سعر الصرف ومراكمة الاحتياطات الدوليّة أكثر.
وتؤكّد ورقة صندوق النقد الصادرة بتاريخ السادس من حزيران الماضي، أنّ برنامج «EPCA» الخاص بلبنان كان «ناجحاً جداً». فمنذ عام 2006 تراجع معدّل الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي بنسبة تقارب 20 في المئة. وإضافة إلى ذلك، نما الناتج المحلّي الإجمالي بنسبة فاقت 8 في المئة في عام 2008 «مدعوماً بسياسات حذرة وتحسّن في الأوضاع السياسيّة والأمنيّة بعد اتفاق الدوحة».
ومثلما هي الحال مع معظم التقويمات الدوليّة للنظام المالي اللبناني تقول الورقة إنّ «هذا النظام استطاع حتّى الآن مواجهة الأزمة الماليّة العالميّة بسلامة». وتضيف أنّ النمط السريع لتدفّق الودائع المصرفيّة «الأساسيّة لتمويل العجوزات الضخمة في الموازنة» استمرّ، فيما شهدت عمليّة دولرة الودائع تراجعاً ثابتاً. أمّا بالنسبة إلى سعر صرف الليرة «فلم يشهد أيّة ضغوط، واستمر المصرف المركزي بمراكمة الاحتياطات العالميّة بوتيرة سريعة».
«الاقتصاد اللبناني يبقى عالي الهشاشة نظرياً (على الورق)». بهذه العبارة تبدأ فقرة «الخلفيّة» في ورقة التحديث التي يطرحها صندوق النقد بالنسبة إلى ملاحظات فريق مراقبة برنامج «EPCA». وهذا الأمر يعود إلى 3 عوامل أساسيّة: الأوّل هو أنّ معدّل الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي الذي يبلغ 160 في المئة يبقى من بين الأعلى في العالم. الثاني هو انكشاف النظام المصرفي «انكشافاً مفرطاً» على الحكومة واعتماده على عائدات المغتربين. أمّا العامل الثالث فيكمن في «وقوع لبنان عند تقاطع التوتّرات السياسيّة الإقليميّة».
لكن رغم هذه الجوانب الهشّة، تعيد الورقة التشديد على أنّ الاقتصاد اللبناني لا يزال يتمتّع بـ«قدرة مفاجئة لمواجهة العواصف». ويتحدّث صندوق النقد عن حيويّة بقاء الليرة مربوطةً بالدولار بالنسبة إلى مسألة «الاستقرار المالي» المذكور.
وهنا تبرز إشكاليّة أساسيّة تتعلّق بتعريف الاستقرار وتحديد موجبات الصمود، وخصوصاً أنّ الورقة تؤكّد أنّ المرونة التي يعتدّ بها «لا يمكن التسليم بها» ولا يمكن توقّع أن يبقى الاقتصاد اللبناني صامداً في وجه الأزمات الاقتصاديّة في المستقبل.
وتذكّر الورقة بأنّ المجتمع الدولي أقرّ دعم «برنامج لبناني طموح لإعادة الإعمار والاستقرار الماكرو اقتصادي» بعد الاجتياح الإسرائيلي في عام 2006.
فبعد عدوان تمّوز، حدّدت الحكومة اللبنانيّة بالتعاون مع المجتمع الدولي برنامج عمل «باريس ـــــ3»، هو عبارة عن «أجندة إصلاحيّة» تحدّد هدفين أساسيّين:
1 ـــــ ضبط السياسات الاقتصاديّة والماليّة والإجراءات الهيكليّة المرتبطة بها وإجراء الخصخصة لخفض حجم الدين العام الضخم وتنشيط الاقتصاد.
2ـــــ إصلاحات في القطاع الاجتماعي لخفض معدّلات الفقر وخفض التفاوت المناطقي في المداخيل وتحسين مؤشّرات التربية والتعليم.
وتبنّى صندوق النقد هذه الأجندة عبر إطار عمل رقابي فصلي، وهو أعدّ نسخة جديدة من برنامج «EPCA» في عام 2008.
(الأخبار)