h1>ضغوط سياسيّة وهاجس السيادة يعرقلان جذب الاستثماراتللمرّة الأولى منذ تأميم الصناعة النفطيّة العراقيّة عام 1972، سمحت بغداد لشركة أجنبيّة بالاستثمار في قطاعها الاستراتيجي. لكن «السماح» جرى في مزاد علني رآه البعض تاريخيّاً، فيما رأى آخرون أنّه مأساوي. فصنّاع القرار حذرون كثيراً، سياسياً وتقنياً في شأن ثروة الأجيال
«يوم تاريخي». وصف أطلقه وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني لتأكيد أهميّة المزاد العلني الذي نُظّم في المنطقة الخضراء أمس، لجذب الشركات الاستثماريّة في القطاع الأكثر استراتيجيّة في مجال الطاقة، بل بين جميع القطاعات الصناعيّة الأخرى.
لكنّ نتيجة المزاد كانت برأي بعض الخبراء، «مأساويّة»، لأنّ بلاد الرافدين لم تستطع إقناع سوى شركة واحدة بعروضها. فقد قُبل كونسورتيوم نفطي تقوده شركة «British Petroleum» البريطانيّة، ويضمّ شركة «CNPC» الصينيّة، لتطوير حقل الرميلة لكي يرتفع إنتاجه اليومي من 950 ألف برميل إلى 2.85 مليون برميل، وفقاً لما نقلته وكالة «رويترز» عن المتحدّث باسم الحكومة العراقيّة علي الدبّاغ.
ويتضّح من نتيجة اليوم النفطي العراقي الذي بدأ التحضير له منذ أكثر من عام، أنّ الشركات النفطيّة غير متحمّسة للاستثمار في بلاد الرافدين في ظلّ الشروط «التعجيزيّة» الموضوعة من الحكومة المركزيّة. فعلى سبيل المثال، كان السعر الذي يتضمّنه عرض تقدّم به كونسورتيوم صيني يساوي 10 مرّات السعر الذي تطرحه الحكومة لقاء خدمات تطوير حقل ميسان في جنوب البلاد؛ كذلك مثّل السعر الذي طرحه كونسورتيوم تقوده الشركة الأميركيّة العملاقة «ConocoPhillips» للاستثمار في تطوير حقل «باي حسن» في شمال البلاد، 5 أضعاف العرض العراقي.
فالمبدأ في هذه الصفقات هو أنّ حكومة البلد النفطي تستدرج عروضاً تُدفع على أساسها رسوم محدّدة للشركة النفطيّة لقاء الوحدات المستخرجة من النفط والغاز، ويكسب في الوقت نفسه البلد المنتج الخبرات الضروريّة والاستثمار الحيوي في صناعة يُعتمد عليها للتنمية.
وبلاد مثل العراق تحتاج كثيراً إلى مثل هذه العقود لإعادة هيكلة صناعتها والقطاعات الأخرى في البلاد التي تعاني اقتصادياً واجتماعياً. فالعجز المرتقب في موازنة العام المالي الجاري يُتوقّع أن تصل قيمته إلى 18 مليار دولار، وسيُغَطى باستخدام الفوائض التي جرت مراكمتها خلال السنوات الماضية.
لكن «مخطّطات» الحكومة العراقيّة، وتحديداً وزارة النفط بقيادة الشهرستاني لزيادة إنتاج البلاد عبر «جذب الأجانب»، عدّها العديد من السياسيّين انتقاصاً من السيادة. وقد زاد هذا الواقع من الضغوط على وزارة النفط ربّما لرفع سقفها في ما يتعلّق بالعروض المطروحة.
وبحسب نائب الرئيس العراقي، طارق الهاشمي، فإنّ جولة التراخيص تمثّل «مجازفة تاريخية نرهن بموجبها ثروتنا النفطية ولا مبرر للقبول بها».
ولهذا قُبل من بين الحقول الثمانية التي كانت مطروحة في مزاد «جولة التراخيص الأولى»، عرض «BP» فقط، وبموجبه سيوفّر حقل الرميلة عائدات نفطيّة إضافيّة تقدّر بـ1.7 تريليون دولار خلال السنوات الثلاثين المقبلة بحسب الشهرستاني.
وتجدر الإشارة إلى أنّ العامل الأمني الذي يفرض على الشركات تخصيص أموال لا بأس بها لحماية محيط الحقول من العمليّات الإرهابيّة، أدى دوراً مهمّاً في صياغة الشركات لمواقفها.
وبعد المزاد الذي حضره العشرات من المسؤولين في الشركات النفطيّة حول العالم، لفت الدباغ، بحسب «فرانس برس»، إلى أنّ «الحكومة قررت أن تقوم شركة النفط الوطنية باستغلال حقلي غاز عكاس والمنصورية، وربما حقل كركوك النفطي».
وهنا تُطرح تساؤلات كثيرة عن مدى تطوّر الإمكانات الوطنيّة لتحديث البنية التحتيّة النفطيّة في العراق الذي يحتاج كثيراً إلى زيادة إنتاج واستغلال حقوله المثبتة واحتياطاته الضخمة التي تعدّ الثالثة في الشرق الأوسط بعد السعوديّة وإيران.
(الأخبار)

(أ ف ب)