امتدت ألسنة اللهب إلى حقول القمح في البقاع، فالتهمت الحرائق مواسم كاملة من السنابل قبل أسابيع قليلة من حصادها، فيما تبقى عمليات الإطفاء محصورة بالأساليب البدائية التي لم تنقذ المزارعين من خسائرهم
البقاع ــ رامح حمية
القمح يحترق في البقاع، أما المزراعون فيحصون خسائرهم الضخمة التي تتراكم عليهم منذ بداية العام، من مرض «اليباس البكيري»، مروراً بالأمطار الغزيرة التي سممت مواسمهم، إلى ارتفاع كلفة الإنتاج وحصولهم على أسمدة فاسدة، وكل ذلك في ظل صمت مطبق من الجهات الرسمية الموكل إليها الاهتمام بالقطاع الزراعي، التي تبدأ من رأس الهرم الحكومي وصولاً إلى وزارة الزراعة، فلا الحرائق استدعت تصريحات تعد بالتعويض، ولا اللهب المشتعل في السنابل استدعى مروحيات الإطفاء الجديدة!
فخلال الأسابيع الماضية اجتاحت حقول القمح حرائق ضخمة، قضت على مواسم كاملة من القمح قبيل أسابيع من بدء الحصاد... وامتدت حرائق متعددة من سهول حوش النبي حتى حوش تل صفية، لتأتي النيران على مئات الدونمات من القمح والشعير. وفيما سارع مزارعو القمح لحصاد مواسمهم قبل أن تلتهمها النيران بوسائل بدائية، يعيش عدد كبير من المزارعين المتضررين في أمل التعويض عن الخسائر الكبيرة التي لحقت بهم نتيجة احتراق مئات الدونمات من القمح على مدى الأيام القليلة الماضية... وإن كانت الهيئة العليا للإغاثة قد أعلنت عبر رئيسها أنها غير مسؤولة عن دفع التعويضات، لفتت إلى أن قرار التعويض يعود إلى الحكومة المقبلة التي لم تتألف بعد.
فقد أتت النيران على ما يزيد على 120 دونم قمح و50 دونماً من الشعير في سهل مجدلون، واحترق ما يقارب 200 دونم من القمح أيضاً في سهل حوش بردى، وحوش النبي ـــــ عين غطاس... وفيما تغيب المبادرات الرسمية للتعويض عن المزارعين، وخصوصاً أنه إلى اليوم لم تؤلّف حكومة لاتخاذ قرارات تنفيذية في هذا المجال، يؤكد رئيس الهيئة العليا للإغاثة يحيى رعد في اتصال مع «الأخبار» أن الهيئة غير مسؤولة عن الحرائق التي حصلت لمزارعي القمح في البقاع، وأن التعويضات ليست من شأن الهيئة، وما يثبت ذلك عدم التعويض على أي من الحرائق التي حصلت في لبنان، سواء كانت أحراجاً أو مزروعات. ولفت إلى اجتماعات عُقدت في الهيئة في المرات السابقة، لكنها لم تتوصل إلى قرار التعويض عن حرائق الأحراج والمزروعات، موضحاً أن الهيئة لا يمكنها أن تتحرك ما لم توعز إليها الحكومة، ولا يمكنها التعويض إن لم تتوافر لها الاعتمادات اللازمة لذلك.
وعن الجهة التي يمكن أن تعوض على المزارعين المتضررين من الحرائق في البقاع، رأى رعد أنّ من الممكن أن تعوض وزارة الاقتصاد، لأنها هي المسؤولة عن دعم بعض الزراعات. ورأى رعد أن التعويض على مزارعي القمح رهن تأليف الحكومة في الأيام المقبلة، بحيث يعود إليها قرار الموافقة على دفع التعويضات أو عدم دفعها.
فقد شب حريق ضخم في قطعة أرض في سهل بلدة حوش ـــــ تل صفية، مزروعة بالقمح وتبلغ مساحتها 300 دونم، حيث أتت النيران عليها بالكامل بسبب سرعة الرياح وعدم تلبية فرق الدفاع المدني لنداء الاستغاثة بالسرعة اللازمة. ويقول مالك هذه الأرض جمال ناصر لـ«الأخبار» إنّ من اللافت أنه حتى اليوم لم يتلقّ أي من المزارعين الذين احترق محصولهم اتصالاً أو إشارة، سواء من الجيش أو الهيئة العليا للإغاثة قد تعطيهم الأمل بتعويض خسائرهم، مستغرباً التأخير في الكشف عن الأضرار والخسائر التي لحقت بالمزارعين في المنطقة، وخاصةً أن الديون تراكمت منذ بدء الموسم، سواء لناحية المحروقات والأدوية والأسمدة وحتى اليد العاملة، وهي أكلاف لا يمكن المزارع أن يتحملها بمفرده بعدما أصيب بهذه الكارثة، مشيراً إلى أنه لا بد للدولة والجهات المعنية من أن تعوِّض على المزارعين المنكوبين، لافتاً إلى أن المزارعين مستعدون لانتظار تأليف الحكومة الجديدة، إلا أن التجارب السابقة لا تشير إلى أن الحكومات تولي أي أهمية للقطاع الزراعي في لبنان، آملاً أن تتغيّر النظرة السلبية إلى القطاع الزراعي الذي يضم آلاف العائلات اللبنانية.
من جهة ثانية انتقد ناصر فرق الدفاع المدني للتأخر في تلبية نداء استغاثتهم، حيث «لم يصلوا إلا بعدما أتت النيران على الرزق كله، بعد 40 دقيقة من بدء اشتعال الحقول»، متسائلاً عن السبب الذي يحول دون أن يسيّر الدفاع المدني دوريات على مقربة من الأراضي المزروعة قمحاً أو شعيراً في المنطقة الممتدة من بلدة إيعات شمالاً وحتى قرى البقاع الغربي جنوباً خلال هذه الفترة من كل عام، وخصوصاً أن هذه الفترة تشهد دائماً حرائق كبيرة، مستغرباً سبب عدم استخدام المروحيات الخاصة بإطفاء الحرائق، للسيطرة على النيران التي تلتهم أرزاق المزارعين قائلاً: «على راسنا البيئة، لكن هل عمليات الإطفاء تشمل فقط أشجار السرو؟ إذ يوجد أيضاً رزق آلاف المواطنين الذي يعيشون على الزراعة».
بدوره رأى المزارع سليمان زعيتر الذي خسر ما يقارب سبعين دونماً من القمح بسبب الحرائق في سهل بلدة حوش بردى، أن الدولة بعدم اهتمامها بالمزارعين وإهمالها الخسائر التي لحقت بهم، تظهر كأنها قد تخلت عنهم «وكأننا مش من هالبلد»، مستغرباً التصريحات التي تشير إلى أن الدول لا تعوض المزارعين عن الخسائر، فأوضح أن كل بلدان العالم تسارع إلى مساعدة مواطنيها عندما يصابون بكوارث طبيعية، مؤكداً أن مزارعي القمح في البقاع أصيبوا هذا العام بخسائر كبيرة سواء من المرض الذي أصاب مزروعاتهم أو من الحرائق. وأمل زعيتر أن تسارع الدولة بعد تأليف الحكومة الإيعاز إلى الجهات المعنية بالتعويض على المزارعين، ولا سيما أن موسم القمح هو مورد رزق لآلاف العائلات البقاعية.
ويحاول مزارعو القمح في البقاع الذين لم يحصدوا موسمهم بعد المسارعة إلى توفير «حصّادة» كبيرة أو «شمّالة» (آلة صغيرة تحصد القمح وتجمعه وتربطه حزماً) أو حتى العودة إلى أيام «المنجل»، وذلك بغية المسارعة إلى حصاد موسم القمح، بغية الهروب من الحرائق التي أتت على محاصيل زملائهم، فسارع المزارع علي شداد بواسطة «شمالة» صغيرة إلى حصد قطعة الأرض التي زرعها «قمح تنور»، رأى أنه استعجل في حصاد موسمه انطلاقاً من مقولة «ما متت ما شفت مين مات؟»، وأنه كان ينتظر حتى منتصف تموز لحصاد موسمه، لكنه فضّل عدم المغامرة، وارتأى الإسراع في الحصاد وجمع الموسم ولو كانت سنبلة القمح لا تزال طرية.