جيزان | على امتداد جغرافية الخط الحدودي الفاصل بين اليمن والسعودية تتمدد نيران المقاتلين اليمنيين زاحفة من شمال اليمن نحو جنوب المملكة، مسيطرةً على المزيد من أراضيها؛ إحكام يعقب السيطرة على الأرض وتحكم في سير المعارك ومساراتها.
في جميع الجبهات التي اختار المقاتلون اليمنيون الانطلاق منها في معارك الردع، كان الضابط الأول منذ الطلقة اليمنية الأولى هو استراتيجية المكان/الموقع، سهلاً كان أو جبلاً، وارتباطه بمناطق السيطرة عليها تعني الولوج إلى مواقع أكثر أهمية وأشد حساسية، هذا على المستوى الاستراتيجي. أما على الصعيد العسكري، فالمواقع الجبلية العسكرية السعودية المشرفة على الطرق العامة والقرى السكنية اليمنية كانت هي أول ما قام اليمنيون بتحريرها، كونها كانت تشكل عائقاً أمام الحركة والتنقل بين خطوط النار وجبهات القتال، وكمثال على ذلك كان جبل «تويلق» ــ أحد أكبر جبال الجبهة الغربية قبالة جيزان ــ هو المنطلق الأول للعملية العسكرية التي شنّها اليمنيون في زحفهم نحو الخوبة وقراها ومواقعها العسكرية وتشعبات وديانها.
وفي الجبهة الشرقية، كانت سلسلة جبال «الشرفة» و«المخروق» هي أيضاً نقاط انطلاقة استراتيجية تشرف مباشرة على نجران، وتحريرها بالنسبة إلى الجانب اليمني أنهى عقوداً من سيطرة المدفعية السعودية وتسلطها على مصالح الناس ومعايشهم.
تدور المعركة في جبهات الحدود، وحالياً في ما وراءها، وفق إيقاع عسكري منظّم يأخذ منحى تصاعدياً، ويغلب على معظم عملياتها عُنصر المفاجآت عبر الكشف المُتدرّج عن مزيد من نقاط القوّة، سواء في عمليات الزحف باتجاه العمق السعودي أو في ما يتعلق بالقوة الصاروخية ــ كسلاح استراتيجي ــ التي يجري الحديث بين الحين والآخر عن امتلاك الجيش اليمني للكثير من المنظومات التي لم تدخل بعد في المعركة.

تبلغ أقصى نقطة
تمكّن اليمنيون من التوغل فيها داخل العمق السعودي
حوالى 12 كلم


في الميدان من الضروري معرفة جغرافيا الحدود بين البلدين لفهم طبيعة المعارك وتسارع أحداثها، حيث تشكل المساحات الجبلية ذات التضاريس الوعرة معظم الأرض، فيما تمتد مساحات أخرى غير مأهولة بالسكان ولا مؤهلة للحياة فيها على مدى واسع، وهي مساحات لا تحظى بالقدر الكافي من التغطية الإعلامية مقارنة بالجهد المبذول عسكرياً، باعتبار أن التخلي عنها قد يفتح ثغرة للجانب السعودي، وإن كان أصلاً لا يُفكر سوى في الدفاع.
وتقابل محافظة صعدة ثلاث مناطق سعودية هي نجران وعسير وجيزان، والأخيرة تتشارك حدودها بين صعدة وحجة، وتبلغ أقصى نقطة تمكّن اليمنيون من التوغل فيها داخل العمق السعودي حوالي 12 كلم، فيما تتفاوت بقية النقاط والمحاور العسكرية نظراً إلى التداخلات الشديدة (المنطقة الرمادية) الواقعة بين البلدين.
تبدو أحياناً المعارك في هذ الجبهات هادئة أو تشهد حالة من الركود في عملياتها العسكرية وأحداثها القتالية، لكنه هدوء إعلامي أكثر منه عسكري، ولعل سببه هو انشغال اليمنيين في إحكام سيطرتهم على المساحات الجغرافية الكبيرة التي يسيطرون عليها، بعد نجاحهم في حشر الجيش السعودي في مواقع الدفاع في زاوية ردّ الفعل، واكتفائه بانتظار ما يقرره المقاتل اليمني المتحكم في سير المعركة ومساراتها.
ويحرص اليمنيون على إثبات حضورهم العسكري على كامل المناطق الحدودية، فيما تتركز معظم العمليات القتالية في المناطق التي يُبدي الجيش السعودي حساسيته العالية حيالها، نظراً إلى ما تُمثله من أهمية كبيرة، باعتبار أن السيطرة عليها تمهّد لعمليات أكبر، وتمثل نقاط انطلاقة جدية وفتح مسارات التفافية تمكّن من السيطرة على مساحات جغرافية واسعة بأقل الخسائر، بما فيها السيطرة على مدن ومعسكرات يُرغم فيها النظام السعودي على الاعتراف بأمر لطالما أنكره وتجاهله، وهو الأمر الذي حققه المقاتلون اليمنيون في منطقة الجابري وقرى الخوبة و«معسكر الحثيرة» في جيزان، ومحيط مدينة الربوعة ــ عسير، بما ترافق معها من عمليات قتل وأسر للجنود السعوديين والاستيلاء على مقار حكومية ومواقع إدارية للجيش السعودي، فضلاً عن اغتنام أسلحة متوسطة وخفيفة وآليات مدرعة.
ويحاول الجيش السعودي التكثيف من حجم وجوده العسكري عبر حشد مئات الآليات المدرعة والدبابات، فضلاً عن الغطاء الجوي المتواصل على مدار الساعة للحيلولة دون تحقيق اليمنيين مزيداً من الانتصارات، لكنه أمرٌ يبدو صعباً ومكلفاً للغاية، وخصوصاً أن اليمنيين وحدهم من يُحددون مكان المعركة وزمانها.