«الأخبار» ترسم خريطة التفاوت في توزيع الكهرباء بين المناطق

تُظهر خريطة التغذية الكهربائيّة في لبنان تفاوتاً كبيراً بين المناطق وداخل المناطق نفسها... الأسباب كثيرة، على رأسها سياسة التدمير الممنهج لمؤسسة كهرباء لبنان، وما نجم عنها من ضعف للإنتاج وغياب للصيانة وعدم كفاءة شبكات النقل والتوزيع والنقص في ملاك المستخدمين... فضلاً عن ظهور «مربّعات كهربائية» تنعم بالتيار 24 ساعة يومياً على حساب بقية المناطق
في ظل موجة الحر الشديد، ارتفع الطلب على الكهرباء في الأيام القليلة الماضية إلى أكثر من 2200 ميغاواط، إلا أن طاقة التوزيع المتاحة من جميع المصادر المحلية لدى مؤسسة كهرباء لبنان لم تتجاوز 1270 ميغاواط، وذلك بسبب الاضطرار إلى توقيف مجموعات للصيانة وتجهيز معمل دير عمار للعمل على الغاز قريباً وتراجع كفاءة شبكات النقل والتوزيع وازدياد الضغوط على المحطات الرئيسية والفرعية نتيجة غياب أي استثمارات جدّية في هذا المجال وازدياد الاعتداءات على الشبكة العامّة في جميع المناطق.
هذه المقارنة بين الطلب المتزايد والعرض المتناقص تعني أن العجز بلغ حتى صباح أمس نحو 930 ميغاواط، أو ما نسبته 42% من مجمل الطلب، فاضطرت المؤسسة إلى زيادة ساعات التقنين الكهربائي لمعظم المناطق التي لا تحظى بالامتيازات الخاصّة بقرار من مجلس الوزراء (بيروت الإدارية) أو بقوة الممارسات الميليشياوية (المنية وأطراف باب التبانة وبعل محسن)، وبالتالي غرق اللبنانيون في المناطق غير المحظية بالعتمة لأكثر من نصف ساعات اليوم.
وما زاد الطين بلّة، أن سوريا أوقفت إمداد لبنان بالكهرباء لأيام عدّة بسبب ارتفاع الطلب لديها وعجزها عن تلبية جزء من الطلب اللبناني، فيما لم توفّر مصر للبنان سوى 70 ميغاواط في فترات الذروة النهارية، أو ربما خسر لبنان جزءاً من حصّته المتفاهم عليها مع مصر بسبب اقتناصها من إحدى دولتي العبور، الأردن أو سوريا.
هذا المشهد الكهربائي تغيّر قليلاً أمس، إذ نجحت المؤسسة في إعادة ربط مجموعات كانت متوقفة، فارتفعت الطاقة الموزّعة إلى 1560 ميغاواط، يضاف إليها نحو 100 ميغاواط من سوريا في الفترة من 12 ليلاً إلى 6 صباحاً فقط، وحصول لبنان على 120 ميغاواط من مصر بعد الساعة 3.30 فجراً... وهذا ما أتاح تغذية أفضل للمناطق، لكن خارج فترات الذروة، وبقي هناك عجز يراوح ما بين 640 ميغاواط في النهار و420 ميغاواط ليلاً.
وبحسب مصادر المؤسسة، فإن الوضع قد يشهد تحسناً إضافياً في الأيام المقبلة، إلا أن التقنين القاسي سيستمر لارتباطه بأسباب بنيوية، وسيزداد الوضع سوءاً إذا استمرت سياسة التدمير المنهجي لقطاع الكهرباء لتبرير خصخصته.

المربّعات الكهربائية

وكشفت المصادر أن مستوى التغذية الكهربائية في بعض المناطق يزداد تردياً بسبب ارتفاع الاعتداءات على الشبكة. أمّا انعدام عدالة التوزيع الكهربائي فأسبابه كثيرة، أبرزها اضطرار المؤسسة لتخصيص نحو 400 ميغاواط لبيروت الإدارية لتغذيتها بـ21 ساعة يومياً بموجب قرار صادر عن مجلس الوزراء واستيلاء ميليشيا الأمر الواقع في منطقة المنية على 55 ميغاواط لتغذية المنية وجوارها، دير عمار، البداوي، مخيم البداوي، وأطراف مناطق باب التبانة وجبل محسن والقبة... بالتيار على مدار ساعات اليوم، وهو الأمر الذي لم تتحرك الأجهزة المعنية لمعالجته رغم تعرّض فريق عمل المؤسسة لتهديدات بالقتل إذا قُطعت الكهرباء، ولو ساعة.
«الأخبار» أجرت مسحاً في المناطق المختلفة، عبر شبكة مراسليها في الجنوب والبقاع وجبل لبنان والشمال، لتشخيص واقع الكهرباء وآثاره على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية:

أولويّة بيروت

تحظى بيروت بحصّة الأسد من التغذية الكهربائيّة. ففي مناطقها المختلفة لا تنخفض نسبة الإمداد اليومي بالتيّار الكهربائي عن 19 ساعة. ويرتفع المعدّل إلى 21 ساعة في المزرعة والبسطة وزقاق البلاط وقريطم والأشرفيّة (كرم الزيتون، ساسين، الرميل)، فيما يبلغ المعدّل في الطريق الجديدة 19 ساعة.
وتشير المعلومات التي جمعتها «الأخبار» إلى أنّه مقارنة بالشهر الماضي بقي معدّل التقنين في المناطق المختلفة من العاصمة ثابتاً نسبياً، مع رصد ارتفاع في بعض المناطق بنسبة 35 في المئة، كمنطقتي الطريق الجديدة وزقاق البلاط.
أمّا في ضاحية بيروت الجنوبيّة، فتبرز اختلافات كبيرة بين المناطق التي يمثّل بعضها أحزمة بؤس، فيما يتميّز البعض الآخر بأفضليّة نسبيّة. وتظهر الأرقام أنّ منطقتي عين الرمّانة وحي ماضي ـــــ الشيّاح تحظيان بأعلى معدّل تغذية كهربائيّة في الضاحية، حيث يبلغ ذلك المعدّل 14 ساعة يومياً، فيما ينخفض المعدّل إلى 10 ساعات و12 ساعة في منطقتي المريجة والشيّاح على التوالي. والمثير هو أنّ منطقة حيّ السلم الفقيرة لا تتمتّع إلا بـ 8 ساعات يومياً من الكهرباء، ما يعني أنّ الفارق بين «أكبر المحظوظين» و«أقلّ المحظوظين» في الضاحية يبلغ 6 ساعات تغذيّة، أي ما يزيد على 40 في المئة.

مفارقات جبيل

هذا الاختلاف المسجّل في الضاحية الجنوبيّة لبيروت يمكن ملاحظته أيضاً في منطقة جبيل. فبين الساحل والجبل يظهر التفاوت الحاد في الإمداد الكهربائي. وتوضح الأرقام الأخيرة، التي جمعتها «الأخبار» في الأسبوع الأوّل من تمّوز الجاري، أنّ مدينة جبيل تشهد انقساماً في ساعات التقنين أحياناً خلال النهار على دفعتين، ويصل معدّل انقطاع الكهرباء إلى 8 أو 10 ساعات يومياً، ما يعني أنّ مدّة التغذية تقارب 16 ساعة يومياً.
أمّا في عمشيت، فترتفع نسبة الإمداد اليومي من الكهرباء إلى 18 ساعة، حيث يبلغ معدّل التقنين 6 ساعات يومياً. ويمكن أن يرتفع هذا المعدّل على نحو كبير بعض الأحيان.
أمّا اللافت، فهو أنّه في بلدتي كفرمسحون وبنتاعل، مثلاً، يشكو الأهالي من انقطاع كثيف للكهرباء، حيث يستفيد السكّان من 6 ساعات كهرباء يومياً فقط. كذلك يُلحظ في بلدة مستيتا انقطاع كثيف للكهرباء يبلغ على الأقلّ 6 ساعات خلال النهار. وفي بلدات قرنة الروم في جبيل يصل التقنين إلى 12 ساعة يومياً.

التفاوت في الشمال

وانطلاقاً نحو الشمال، يبرز التقنين المبرمج الذي تشهده مدينة طرابلس. فالتغذية الكهربائيّة يومياً تبلغ 12 ساعة، ويشكو الأهالي من ارتفاع وتيرة التقنين في أوقات لا تُعلن مسبقاً. وتوضح مصادر تحدّثت لـ«الأخبار» أنّ منطقتي باب التبانة وجبل محسن «تتزودان حالياً بالتيار بمعدل 4 ساعات مداورة، مثلهما مثل بقية المناطق التي نغذيها». غير أنّ عاملين في معمل دير عمار لإنتاج الطاقة، يشيرون في حديث لـ«الأخبار» إلى أن مناطق المنية وجوارها، دير عمار، البداوي، مخيم البداوي، وأطراف مناطق باب التبانة وجبل محسن والقبة «تتغذى بالتيار منذ نحو عام تقريباً على مدار الساعة، بعدما تعرض موظفو المعمل لضغوط (سجلت بعض حالات الاعتداء) من بعض أهالي هذه المناطق، الذين تذرعوا بأنهم يتحمّلون الأعباء البيئية والصحية للمعمل في مناطقهم، ويحق لهم التزود بالتيار أكثر من غيرهم».
وفي الضنية، لا يقلّ التقنين عن 12 ساعة يومياً من غير وجود أي برنامج واضح ودائم للتغذية. ومع أن بعض مناطقها تميزت السنة الماضية عن غيرها بإعطائها التيار 24 ساعة في اليوم لاعتبارها مناطق اصطياف، فإن هذا الامتياز لم يعد موجوداً هذه السنة. أما في منطقة وادي خالد في عكار، فإن المواطنين يتزودون بالتيار الكهربائي بمعدل أربع ساعات مقابل 6 ساعات انقطاع.
وانطلاقاً نحو مدينة زغرتا وقضائها، وفي قضاء الكورة ومنطقة البترون وقضائها، يسجّل النمط نفسه، حيث يبلغ معدّل التقنين اليومي 12 ساعة.
أمّا في بلدة إهدن الجبلية التي تعدّ بلدة اصطياف في المقام الأول، فالوضع جيد إلى حد كبير، والتيار الكهربائي لا ينقطع على نحو ملحوظ، حيث الانقطاع لأربع ساعات يومياً فقط، وتكون عملية القطع في النهار لا في الليل. وتجدر الإشارة إلى أنّ البلدة مزوّدة مولدات خاصة، وتُجبى الاشتراكات من المشتركين «مقطوعية» وتصل إلى حدود 200 دولار تغطي فصل الصيف بأكمله.
البقاع
ساعات التقنين في رأس بعلبك وقضاءي بعلبك والهرمل عموماً تراوح بين 10 إلى 12 ساعة يومياً، وهي عرضة للارتفاع يومياً. وفي بلدة سعدنايل (قضاء زحلة) يصل معدّل التقنين إلى 12 ساعة بعدما كان 8 ساعات يومياً، وكذلك الحال في مدينة زحلة. أمّا في الجوار كمدينة شتورة مثلاً، فيصل الانقطاع في التيار إلى 10 ساعات يومياً.
ساعات التقنين في مشغرة كانت معدومة قبل نحو شهر (24\24) لكن الانقطاع وصل إلى البلدة أخيراً بمعدل 3 ساعات يومياً، وبالتالي هناك غياب تام لما يسمى اشتراك في المولدات، وكذا الحال في القرعون ومعظم القرى المجاورة التي تتغذى من معمل مركبا.

معاناة الجنوب

الالتفاف من البقاع نحو الجنوب لا يُظهر إيجابيّة، بل على العكس. ففي النبطيّة ومنطقتها تبلغ نسبة التقنين نحو 12 ساعة مقسومة فترتين تدخل التغذية بينهما 6 ساعات. وقد شهد الأسبوع الفائت نسبة تقنين عالية جداً، ترافقت مع ارتفاع درجة الحرارة، وبلغت التغذية على مدى ثلاثة أيام متواصلة نحو ساعتين خلال 24 ساعة. ومثل هذه الحالة في نسبة التغذية المتدنية قد تتكرر صيفاً وشتاءً بحجة أعطال تطرأ على محطة التغذية في الزهراني.
وتبلغ التغذية والتقنين النسبة ذاتها في مرجعيون ومنطقتها، أمّا في منطقة العديسة فيبلغ معدّل التغذية بين 8 ساعات و10 ساعات يومياً.
في جزين تراوح نسبة التقنين بين 4 و6 ساعات خلال النهار، باعتبارها إحدى مدن الاصطياف. وشهد الأسبوع الفائت تقنيناً تجاوز 8 ساعات توزعت بين الليل والنهار، وعزا المسؤولون ذلك إلى عطل طرأ على خط دير عمار.
من النبطيّة نكمل الرحلة إلى صور. فالمدينة الساحليّة العريقة تشهد انقطاعاً يومياً في التيّار يبلغ 12 ساعة، فيما يرتفع ذلك المعدّل إلى 14 ساعة يومياً في ضواحي المدينة التي يقول سكّانها إنّ الوضع تدهور كثيراً مقارنة بالشهر السابق.
الساحل يكمل نحو صيدا، لكنّ الكهرباء تبقى مقطوعة، أو بالحدّ الأدنى مقنّنة. فالمدينة الجنوبيّة تخضع لتقنين كهربائي قاسٍ يصل في داخلها إلى حدود 10ساعات يومياً ويرتفع المعدّل في محيطها، بينما تعيش الأحياء الشعبية في المدينة القديمة والفيلات والتعمير أوضاعاً مأسوية.

تغذية للمهرجانات في الشوف

من الجنوب إلى الشوف، لحظت «الأخبار» النسق نفسه في خريطة الكهرباء، حيث بلغت ساعات التقنين في منطقة الشوف 12 ساعة يومياً، واختلف هذا التقنين بين الليل والنهار، فنهاراً يكون 4 ساعات، وتحل الكهرباء ضيفة 4 ساعات. وتجدر الإشارة إلى أنّ المنطقة تتمتّع بالكهرباء المستمرّة في بعض «المناسبات الخاصّة»، مثل الزيارات السياسيّة أو المهرجانات الفنيّة.
(الأخبار)


كلفة 5 أمبير في اشتراك المولدات





ساعات التغذية الكهربائيّة في المناطق اللبنانيّة: وفقاً للأرقام التي جمعتها «الأخبار» في الأسبوع الأوّل من تمّوز 2009