دولة الاحتياطي النفطي الأكبر بلا كهرباء... والوظيفة الحكوميّة تُشترى بألف دولاربغداد ـــ زيد الزبيدي
النسب المئوية التي تتحدث عن البطالة في العراق، قد تكون غير دقيقة، إذ لا يمكن أي جهة إجراء إحصاءات دقيقة، في بلد شهد أقسى موجات العنف والحروب الأهلية والاحتلال، سبقها حصار خانق طال الشعب لا الحكام. وبدأت حلقات مسلسل البطالة تتفاقم خلال السنوات الـ13 من الحصار المأساوي، وما أعقبها من غزو واحتلال وتدمير مؤسسات الدولة، وحل العديد من الوزارات، وتسريح العاملين فيها، ومن ثم الشروع ببرنامج «الخصخصة» للمعامل والمؤسسات الإنتاجية التي لا يزال 90 في المئة منها متوقفاً عن العمل.
وعند الحديث عن مشكلة البطالة في العراق، لا بد من الإشارة إلى أن القطاع الخاص هو الآخر عانى من الانهيار بسبب تدمير البنى التحتية، وخصوصاً الكهرباء والاتصالات والمواصلات، إضافة إلى اعتماد سياسة «الباب المفتوح» أمام البضائع الأجنبية. كذلك أدى انهيار قطاع الكهرباء، ومعه الصناعات البترولية، إلى ارتفاع حاد في أسعار الوقود، ما أدى إلى توقف مضخات المياه التي تستخدم للري، فتوقف الإنتاج الزراعي والحيواني إلى حد بعيد.
وبمقارنة بسيطة، كان سعر «تنكة» البنزين، مثلاً، قبل الغزو، لا يزيد على دولار ونصف دولار، بينما ارتفع سعر الليتر الواحد من البنزين إلى هذا المبلغ بعد الاحتلال، حتى انخفض حالياً إلى ما يعادل نصف دولار لليتر الواحد.
ويُعدّ ارتفاع أسعار الوقود كارثة حقيقية على العراقيين، حيث كانت المصافي النفطية قبل الغزو، التي لم تتضرر خلال حرب 2003، تنتج ما هو فائض عن الحاجة، ويتوافر إنتاجها بأسعار منخفضة غير موجودة في أي بلد في العالم، بينما أصبح العراق في عهد الاحتلال يستورد المشتقات النفطية، بما فيها وقود محطات الطاقة الكهربائية، التي لم تتضرر منشآتها هي الأخرى خلال الحرب، وأدى توقفها إلى شلل الصناعات المحلية عموماً.
وعلى سبيل المثال، كان العراق يمتلك 13 مصنعاً ضخماً للإسمنت قبل الغزو، تنتج ما معدله 23 مليون طن من أجود أنواع الإسمنت سنوياً. وبعد 2003، بات إسمنت الجدران التي تعزل مناطق بغداد والمدن الأخرى عن بعضها طائفياً، يستورد من الخارج.
انطلاقاً من هذه الصورة السوداء، لا يمكن أن تكون هناك دقة أو صدقية للتقارير والإحصاءات، ومنها ما أعلنته منظمة «اليونسكو»، عن أن نسبة البطالة «بين الشباب» في العراق بلغت 37.2 في المئة، رغم أن بعض المحللين وصفوا هذه النسبة بأنها «تثير الذهول»، وأنها «حقيقة مفزعة»، رغم أنها تقتصر على خريجي المدارس الإعدادية والجامعات. أما البطالة بين القوى العاملة عموماً، فإنها، كما يعتقد الخبراء، «أكثر إذهالاً، وأكثر إفزاعاً ممّا صوّرته اليونسكو».
وبالنسبة إلى الشباب الذين يمثلون الغالبية بين سكان العراق، أصبحت الوظائف الحكومية أشبه بالحلم المستحيل، إذ أصبح الجميع يفضّلها لرواتبها المرتفعة نسبياً، وأصبح التعيين في الوظائف حكراً على الذين ينتمون إلى الأحزاب المسيطرة على الحكومة، أو في مقابل رشوة قد تصل إلى ألف دولار للحصول على الوظيفة، وحتى إن كانت خطرة، مثل الجيش والشرطة.
وتنتشر في بغداد والمدن الرئيسية ظاهرة تجمّعات «المساطر» للعاطلين من العمل الذين يقفون طوال النهار في صيف تتجاوز الحرارة فيه 50 مئوية، أملاً في أن يأتي من يستأجرهم لعمل ما، وخصوصاً في مجال البناء. وتاريخياً، كانت هذه «المساطر» تضم العمال «غير المهرة»، لكن العديد منهم اليوم أصبح من حملة الشهادات الجامعية. وحتى هذه «المساطر»، التي يتجمع فيها الفقراء، لا تسلم على نحو شبه دوري من التفجيرات التي أدت إلى مقتل العشرات منهم.
وتجزم إحصائية لـ«مركز دراسات وبحوث الوطن العربي في الجامعة المستنصرية»، شملت شرائح مختلفة في المجتمع العراقي، بأنّ نسبة البطالة في العراق تبلغ 42 في المئة، ونسبة المتخرجين بين العاطلين تبلغ 40 في المئة.
وعن الآثار السياسية والأمنية للبطالة، يرى الباحث الاقتصادي الدكتور ستار جبار خليل أنها في الحالة العراقية «من أخطر القضايا، ولا سيما أن لها تداعيات اجتماعية وحتى أمنية». فالعاطلون، بحسب الباحث نفسه، هم دائماً «قنبلة موقوتة»، إذ إنه بعد تسريح الجيش العراقي وحل عدد من الوزارات، بلغ عددهم أكثر من 5 ملايين شخص، فيما أدى توقف الأعمال الصناعية والتجارية والزراعية للقطاع الخاص إلى انضمام 5 ملايين آخرين إلى صفوفهم.
ويوضح خليل أن ارتفاع معدلات البطالة ارتبط بالوضع الأمني غير المستقر، إذ إن التدهور الأمني وغياب الاستقرار وتواصل السلب والنهب والسطو المسلح والانفجارات والاغتيالات، أوقف أعمال القطاع الخاص، إلا أن توقف الأعمال قد يكون هو الذي يضطر العاطلين من العمل إلى القيام بأعمال سرقة وسطو وسلب. ويشدد على أنّ الأخطر من ذلك هو «انضمام العاطلين من العمل إلى الميليشيات والجماعات المسلحة التي تدفع مبالغ كبيرة من المال».