تحقيق المزيد من الأرباح أم تسوية الخلل بين كلفة الوديعة والعائد على توظيفها؟
محمد زبيب
فوجئ المودعون في المصارف بخفض الفوائد على ودائعهم بالليرة بمعدّلات تتراوح ما بين 0.5% و1.0%، بحسب كل مصرف وبحسب وزن كل زبون، وقال أحد المصرفيين لـ«الاخبار» إن هذا الإجراء بات ضرورياً لتأمين هامش ربح مقبول لأكثرية المصارف العاملة في لبنان التي تعاني من فائض سيولة بالليرة غير قابل للتوظيف بسهولة أو بأسعار فائدة مدينة تؤمن مثل هذا الهامش.
وبهذه الخطوة تراجع متوسط الفائدة على ودائع الليرة من 7.22% الى 6.47% في مقابل متوسط فائدة على ودائع الدولار يبلغ 3.3%، أي إن الهامش ضاق من 3.92% إلى 3.17%.
وكانت المصارف قد تحرّكت منذ فترة باتجاه إقناع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بهذه الخطوة، ملتزمة أمامه بإجراء خفوضات تدريجية على أسعار الفوائد الدائنة والمدينة معاً، وهو وافق أخيراً على مضض، وبعد شهور طويلة من الاعتراض... إلا أن المصارف باشرت، على ما يبدو، بتنفيذ ما سعت إليه، ولكنها حصرت خطوتها الأولى بالفوائد الدائنة فقط، وهو ما سيثير إشكالات كثيرة، ويضع خطوتها الحالية وخطواتها اللاحقة في دائرة الشبهة، إذا لم تطل أسعار الفائدة على التسليفات، نظراً إلى الأرباح الطائلة التي ستجنيها من وراء ذلك، إذ إن كل خفض للفائدة على الودائع بمعدّل 1% يؤمّن لها أرباحاً إضافية بما لا يقل عن200 مليون دولار دفعة واحدة.
والمعروف أن معدّل دولرة الودائع يشهد تراجعاً مستمراً منذ فترة طويلة، فهو انخفض من مستوى 74.38% في نهاية عام 2007 إلى 71.27% في حزيران من عام 2008، ثم إلى 63% حالياً، وذلك بسبب عمليات تحويل كبيرة للودائع من الدولار إلى الليرة تحصل بالتزامن مع نمو لافت في قاعدة الودائع لدى المصارف (20% على أساس سنوي)... وهذا ما ساهم بتراكم فائض سيولة بالليرة اللبنانية لم تعتد المصارف على التعامل معه في السنوات الماضية، ولا سيما أن طاقة الاقتصاد على استيعابه محدودة جداً بسبب السياسات الحكومية التي لم تراع شروط النهوض بالاقتصاد الحقيقي.
وبحسب المصرفيين، فإن متوسط كلفة الودائع بالليرة على المصارف المحلية يصل إلى 7.22% يضاف إليه نحو 0.65% أكلافاً تشغيلية، أي نحو 7.87%، فضلاً عن كلفة الاحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان، ما يجعل مجمل متوسط الكلفة يتجاوز 9% في مقابل مردود على سندات الخزينة بالليرة (وهو مجال التوظيف الأهم للمصارف) لا يتجاوز متوسطه 8.97%... ويقول هؤلاء المصرفيون إن المصارف مضطرة إلى خفض كلفتها للمحافظة على هامش أرباح «معتدل»، إذ لا يجوز أن تكون كلفة الودائع لديها أكبر من العائد المحقق على توظيفها... ولذلك يجب القبول بخفض الفائدة على الودائع لأن البديل غير ممكن حالياً، فلا مصرف لبنان قادر على امتصاص كل السيولة الفائضة ولا الحكومة مستعدة لزيادة مديونيتها زيادةً كبيرة للمساهمة في امتصاص هذا الفائض، وليس هناك جدوى من زيادة سعر الفائدة على القروض بالليرة لأن الطلب عليها محدود أصلاً. وعندما يبلغ مستوى أعلى من 12% مثلاً لن تجد المصارف من يرغب بالاستدانة، ما سيشكّل ضرراً عاماً على الجميع. إلا أن مصادر أخرى استغربت خطوة المصارف، ولا سيما أنها تنوي إجراء المزيد من الخفوضات بوتيرة تدريجية خلافاً لرأي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يخشى أن تؤثّر هذه الخفوضات على حجم تدفّقات الودائع من الخارج وعلى موجوداته بالعملات الأجنبية التي بلغت مستوى قياسياً وتاريخياً (23.5 مليار دولار)، وتقول هذه المصادر إن سلامة سعى طوال الفترة الماضية إلى إرضاء المصارف لمنعها من اللجوء إلى مثل هذه الخطوات، إذ حررها عملياً من الاحتياطي الإلزامي في مقابل زيادة تسليفاتها بالعملة المحلية، وامتصّ جزءاً مهماً من السيولة بالليرة لديها عبر إصدار شهادات إيداع طويلة الأجل (5 سنوات) بفائدة مرتفعة تصل إلى 9.25%... وبالتالي لا يمكن الحديث عن مشكلة جدّية لدى المصارف في مجال توظيف سيولتها بالليرة إلا إذا كان المقصود تحقيق معدّل نمو أعلى للأرباح المعلنة الصافية بالمقارنة مع السابق.
تجدر الإشارة إلى أن مصرف لبنان أعلن توقّفه عن إصدار شهادات الإيداع الطويلة المدى، إلا أنه نجح في المقابل بإقناع وزارة المال بإصدار سندات خزينة لأجل 5 سنوات بسعر فائدة لن يقل عن 9%، وهو سعر مقبول للمحافظة على هامش ربحية المصارف الحالي، إلا أنه سيكون مرتفعاً في ظل خطوات المصارف لخفض سعر الفائدة على الودائع، ما يعني أن هامش الربحية سيتسع.
ولفتت المصادر إلى أن موافقة سلامة على خطوة المصارف الأخيرة تعني أنه اكتفى بحجم الموجودات بالعملات الأجنبية لديه، وبات أقل تحفّظاً من السابق، إلا أنه سيبقى حريصاً على عدم تغيير القاعدة السائدة حالياً لجهة توزيع الودائع بين الليرة والدولار.