«اقتل أولاً ثم اسأل»، أمر أُعطي لجنود قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال العدوان على قطاع غزة، وأكّدته مجدداً منظمة «كسر الصمت» في تقرير أوردت فيه شهادات الجنود عما ارتُكب من فظائع بحق الفلسطينيين

حيفا ــ فراس خطيب
«أمور كثيرة جعلتني أشمئز، أولاً الدمار، إطلاق النار على الأبرياء. أصدقاء حقيقيون لي كانوا يتعاملون هكذا: الكراهية والمتعة بالقتل، أمر لا يمكن استيعابه. عندما يأمرك قائد سريّتك: هيا أطلق النار، عندها لن يلجم الجنود أنفسهم، فهم ينتظرون هذا»؛ تلك شهادة جندي إسرائيلي عن سلوك جيشه خلال عدوان «الرصاص المصهور» على غزة في إطار سياسة «اقتل أولاً ثم اسأل».
أكثر من 54 شهادة لـ30 جندياً إسرائيلياً شاركوا في العمليات العسكرية نشرتها جمعية «كسر الصمت» في تقرير اتهمت فيه الاحتلال الإسرائيلي باستخدام المدنيين الفلسطنيين دروعاً بشرية. وتتبيّن من تلك الشهادات فجوات عميقة، بين ما ادّعاه جيش الاحتلال من احترام جنوده لقوانين الحرب والواقع: هدم بيوت من دون سبب، إلقاء قنابل فوسفورية على مناطق مأهولة، وإطلاق نار
عبثي.

تقرير لمنظمة «الضمير» يكشف التنكيل بالأسيرات الحوامل
وكشف الجنود عن استعمال الجيش الإسرائيلي لـ«نظام الجار»، وهو استعمال الفلسطيني درعاً بشرية من أجل تفتيش أو إلقاء القبض على جاره الفلسطيني، وهو ما منعته المحكمة الإسرائيلية العليا. وجاء في إفادة أحد الجنود: «في كل منزل كنا نقترب منه، كنا نرسل الجار إليه».
جندي آخر شهد أن قائده أعطى تعليمات بأنه عندما تدخل القوة تضع السلاح على كتف المدني، ثم تقتحم المنزل باستخدامه درعاً بشرية. وأكدت شهادات العديد من الجنود أنهم أُمروا بأن «يقتلوا أولاً ويسألوا لاحقاً». وقال زميله إن «الهدف كان تنفيذ العملية بأقل خسائر ممكنة في صفوف الجيش، من دون السؤال عن الثمن الذي سيدفعه الطرف الثاني»، مضيفاً «لم تكن لدينا تعليمات بأن نطلق النار على أي شيء يتحرك، لكن كان لدينا أوامر عامة تقول: إذا شعرت بالتهديد، فأطلق النار، من دون أن يذكر أي شيء خاص عن الأبرياء».
وتحدث الجنود عن الدمار الهائل الذي أحدثه العدوان، فقالوا: «المنازل كانت مدمّرة في كل مكان، لم نرَ ولو منزلاً واحداً لم يصب، كان فظيعاً، كما في أفلام الحرب العالمية الثانية، حيث لم يبقَ أي شيء، مدينة مدمّرة بالكامل».
وروى أحد الجنود حادثة عن إعطاء قائده أوامر لزملائه بألا يطلقوا طلقات تحذيرية على رجل رأوه يقترب من منزل حتى أصبح على بعد عشرات الأمتار «وفجأةً سُمع وابل من الطلقات النارية من فوق، جعلنا نقفز جميعاً. الرجل صرخ صرخة كأنه يقول لنا: لن أنسى ما حييت. نزل القائد، مهلّلاً: هذه افتتاحية لليلة». وأضاف «عندما تفقّدنا الرجل صباح اليوم الثاني، رأيناه نظيفاً لا شيء عليه سوى بعض الجروح في يديه، يرتدي قميصاً أبيض ولحيته طويلة، عجوز ما بين 50 و60 عاماً مرميّ على الطريق». وعندما سألوا قائدهم لماذا طلب منهم ألا يطلقوا طلقات تحذيرية، أجاب: كان الوقت في الليل وهذا إرهابي. ووصف جنود كثيرون قتالاً من دون «رؤية العدو بأعيننا»، وشبّهوه بـ«طفل يحمل عدسة تكبير ويتعامل مع النمل ويحرقه».
«كانت هناك أوضاع عبثية للغاية»، قال أحدهم، «جلسنا يوماً لشرب قهوة عند الظهيرة، فجأةً، أطلقت دبابة قائد الكتيبة قذيفة على المبنى. من دون سبب، لإيقاظ الفرقة فقط». حتى إن عدداً من الجنود كشف أنَّ آخرين كانوا يطلقون النار «من الملل». في إحدى المرات، قال جندي «قرر أحد الضباط إجراء تدريب على إلقاء القنابل، فأدخل الجنود إلى بيت وبدأوا يرمون القنابل حتى دُمر البيت بالكامل». وروى آخرون أنَّهم لم يشتبكوا تقريباً مع عناصر من حركة «حماس» «على الأقل في منطقة المظليين».
وقال ميخائيل مانكين، من منظمة «نكسر الصمت»، إن «الإفادات تثبت أن سلوكاً غير أخلاقي يسود المؤسسة العسكرية، وهذه دعوة طارئة إلى المجتمع الإسرائيلي وقيادته لإعادة التدقيق في تبعات أفعالنا».
الجيش الإسرائيلي ردّ على ما جاء في التقرير في بيان قال فيه إن «الشهادات التي أتت في التقرير استندت إلى شائعات وكلام شفهي». وأضاف «من الشهادات التي جرى نشرها، ومن ضمنها ما أورده هذا التقرير، ومن التحقيقات التي أجرتها القوات الإسرائيلية، يبدو واضحاً أن القوات تصرفت وفق القانون الدولي».
وفي تقرير ثانٍ، ذكرت منظمة «الضمير» للدفاع عن حقوق الإنسان، بعد مقابلة 125 فلسطينية اعتُقلن في سجون إسرائيلية، أن حوامل على وشك أن يلدن تكبّل أيديهن بالأصفاد لنقلهن إلى المستشفى ثم «يكبّلن إلى السرير إلى أن يدخلن قاعة الولادة، ثم توضع لهن الأصفاد مجدّداً بعد الولادة». وأكدت في تقريرها الذي صدّقه صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة «يونيفيم» أن معظم المعتقلات «تعرّضن للضرب والتهديد والإهانة والإذلال والمضايقات الجنسية».