قرار التحكيم الدولي في 22 الجاري... ومخاوف من أن يسبّب حرباً أهليّةجمانة فرحات
التحكيم الدولي كان الخيار الذي اتفق عليه الرئيس السوداني عمر البشير، وزعيم جنوب السودان سلفا كير ميارديت، العام الماضي لحل النزاع المرير على منطقة أبيي، بعدما فشل اتفاق السلام الشامل الذي وُقِّع عام 2005 في حسم مسألة الحدود في المنطقة. ومع تسلّم هيئة التحكيم في لاهاي تصور كل من طرفي النزاع لكيفية إخراج نتيجة التحكيم وإعلانها، التي اختلف عليها الطرفان، يترقب سكان المنطقة بحذر جديد قرار المحكمة.
وتكتسب أبيي أهميتها، في كونها منطقة استراتيجية تقع غربي منطقة كردفان في السودان، على خط التماس بين الشمال والجنوب، الذي يحظى بحكم ذاتي.
وتسود الخلافات التاريخية بين القبائل التي تعيش فيها وتحديداً قبيلة دينكا نقوك، التي ينتمي إليها زعيم الحركة الشعبية الراحل جون غارنغ، وقبيلة المسيرية. ويدعي كل طرف سيادته التاريخية على المنطقة.
وتحولت أبيي مع مرور الوقت إلى منطقة نزاع بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية، وشهدت في أيار من العام الماضي حرباً شرسة دمرت جزءاً كبيراً منها. وفيما ترى الحكومة أن أبيي هي منطقة تداخل بين القبائل، تصرّ الحركة الشعبية على أن المنطقة كانت تابعة للجنوب قبل سنة 1905، لكن ضمّها الحاكم العام البريطاني لشمال مديرية كردفان بقرار إداري، وتطالب بإعادتها إلى الجنوب، وقد بنت مرافعاتها في المحكمة على هذه الفرضية.
ويخشى كثيرون من أن يشعل قرار المحكمة حرباً أهلية جديدة، بعد بروز خلافات بين الحكومة السودانية والحركة على طلب تأجيل صدور قرار محكمة العدل الدولية المتوقع في 22 من الشهر الجاري، ما عكس عدم وجود استعداد فعلي من الحكومة للتعامل مع القرار. فقبل أيام، أعلن وزير رئاسة حكومة الجنوب، لوكا بيونق، فشل طرفي النزاع في التوصل إلى اتفاق على تحديد موعد إعلان قرار هيئة التحكيم. وبينما رأت الحكومة إرجاء إعلان القرار حتى 21 آب المقبل، تمسكت الحركة الشعبية بإعلانه في الفترة المحددة باتفاقية التحكيم. واتهمت الحركة الحكومة بالمراوغة وعدّت طلبها إشارة غير مشجعة.
وطالب بيونق حكومة الشمال بتهيئة الأجواء المساعدة في قبول المواطنين للقرار. ورأى أن التأجيل لن يكون إلاّ على «حساب قلق الناس»، في إشارة إلى حالة الترقب والخوف التي تسود لدى السكان لمرحلة ما بعد النطق بالحكم وانعكاساتها على أوضاعهم.
وأعلن بيونق أن المحكمة قدمت دعوة خاصة لممثلي قبائل دينكا نقوك والمسيرية لحضور إعلان القرار. وأضاف أن الحركة الشعبية التي يرأسها سلفا كير مريديت تدرس إرسال ممثلين لحضور القرار.
وما يزيد من حدة المخاوف تزامن موعد صدور الحكم مع المرحلة السياسية التي يمر بها السودان، وتحديداً السجال المتعلق بالاستفتاء المقرر تنظيمه في جنوب السودان في 2011 لتحديد مصير المنطقة، حيث يرغب الجنوبيون في ضم أكبر مساحة ممكنة من أراضي أبيي النفطية، فيما يسعى الشمال للاحتفاظ بمواردها.
ويترقب المجتمع الدولي ردة فعل الأطراف المتنازعة، وتحديداً الحكومة السودانية، على قرار المحكمة، لأنه سيمثّل اختباراً يعكس مدى استعداد الحكومة السودانية لتقبل تغييرات سياسية وجغرافية لا تتوافق وإرادتها، إذا جاء الحكم لمصلحة ضم منطقة أبيي إلى الجنوب.
ودفع الخوف من تجدد الحرب واشنطن إلى إرسال مبعوث الرئيس الخاص، سكوت غريشان، إلى السودان للقيام بزيارة للخرطوم تمتد لما بعد موعد صدور القرار، وذلك بالتزامن مع إصدار وزارة الخارجية الأميركية بياناً تدعو فيه الأطراف المتنازعين إلى الاستعداد للحكم.
وحدّد المتحدث باسم الخارجية، أيان كيلي، آليات الاستعداد بالقول: «يجب أن يجروا التحضيرات لتطبيق قرار المحكمة كاملاً ونشر أخبار صحيحة عن هذا القرار واتخاذ الإجراءات الضرورية لتحاشي حصول أعمال عنف محتملة في المنطقة». وطالب «الطرفين بتحاشي أي مواجهة وإعطاء قوات الأمم المتحدة المنتشرة في المنطقة حرية الحركة».
بدوره، عبّر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان، أشرف جهانجير قاضي، عن مخاوفه من تدهور الأوضاع. وقال: «إننا نعي كل الاحتمالات، الجيدة منها والسيئة، ونستعد لكل تطور سيئ قد يطرأ». ولمّح إلى عجز قوات الأمم المتحدة عن التحرك في حال تطور الأحداث، وقال: «عليكم توخي الواقعية في ما تتوقعونه» من القوات الدولية نظراً إلى مواردها المحدودة وتفويضها.