Strong>العتمة مستمرة بقرار حتى تُزاد تعرفة الكهرباء ويُشرك القطاع الخاص«ليبلّط طابوريان البحر»، فلا خطة لمعالجة أزمة الكهرباء إلا بالخصخصة، ولا حلّ للتقنين إلا بزيادة التعرفة على الناس... وكل وزير يأتي إلى وزارة الطاقة عليه أن يقبل بدور «شاهد الزور»، ويعلن التزامه بما يُرسم له من خارج وزارته... هذا هو مضمون «البلاغ الرقم واحد» الذي وزّعه المجلس الأعلى للخصخصة أمس تحت عنوان «الخطة الإصلاحية لقطاع الكهرباء»!

محمد زبيب
في خطوة مفاجئة، وبطلب من رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة الراغب بتكبيل الحكومة العتيدة برئاسة سعد الحريري... فاجأ المجلس الأعلى للخصخصة وزير الطاقة المعني ألان طابوريان وكل المتابعين لملف الكهرباء بتوزيع ما سمّاه «الخطة الإصلاحية لقطاع الكهرباء» على شكل تقرير موجز يتضمّن «المستجدات على صعيد تنفيذ هذه الخطة حتى نهاية حزيران 2009».
«الأخبار» اتصلت بالوزير طابوريان للاستفسار منه عن هذه الخطة، فنفى علمه بوجودها «الرسمي والشرعي»، ونفى أيضاً أن يكون المجلس أو أي طرف آخر قد أطلعه سابقاً على مثل هذه الخطّة طوال فترة وجوده في الوزارة المعنية أولاً وأخيراً، متسائلاً عن صلاحية الأمين العام للمجلس زياد الحايك في إعداد هذا التقرير وتعميمه على الصحافة ووسائل الإعلام من دون أن يكون للوزارة المختصة أي دور في الإعداد أو حتى الاطلاع، وقال إنه سيرد على مضمون هذا التقرير وسيوجه كتاباً احتجاجياً على التجاوز المتواصل لصلاحياته، ولا سيما أن التقرير المذكور يزعم أن الخطة المزعومة دُرست في لجنة تسمّى «لجنة إصلاح قطاع الكهرباء»، وهي تتألّف من رئيس مجلس الوزراء ووزير الطاقة والمياه ووزير المال ورئيس مجلس الإنماء والإعمار والمدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان والأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة، إذ يكشف طابوريان أن «هذه اللجنة لم تنعقد مرّة منذ أن تولى الوزارة قبل أكثر من سنة»... والمفارقة أن ما سُمّي «الخطّة» يأخذ بعض الأفكار التي طرحها طابوريان نفسه لجهة تركيب مولّدات بطاقة إنتاجية تبلغ 300 ميغاواط لسد جزء من العجز الحالي في إنتاج الكهرباء ودرس إمكان إقامة معمل على الفحم الحجري لتغطية الطلب المستقبلي على الكهرباء، وتنويع مصادر الطاقة لضمان الاستقرار... وهذه الأفكار كانت في أساس الهجوم على طابوريان وادعاء عدم جدّية ما يطرحه، وبالتالي رفض إدراج الاستراتيجية المقترحة من جانبه على جدول أعمال مجلس الوزراء!

الخصخصة والتعرفة

في الواقع، يؤكّد التقرير المفاجئ للمجلس الأعلى للخصخصة ما كانت قد أوردته «الأخبار» في مناسبات عدّة، عن أن الرئيس السنيورة (وفريق عمله) لا يريد مناقشة أي أفكار تتصل بمعالجة مأساة الكهرباء إلا في إطار إشراك القطاع الخاص في الإنتاج والتوزيع والجباية وزيادة التعرفة على المشتركين، ولو أدّى التأخير في زيادة الإنتاج إلى العتمة الشاملة، علماً بأن دراسة البنك الدولي الأخيرة (2008) حذّرت بوضوح من المضي في تبنّي هذا الخيار نظراً لانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة، وهي أشارت إلى أن كلفة إنتاج الكهرباء عبر استثمارات القطاع الخاص ستكون أعلى بمعدّل يتراوح ما بين 1.6 و 3 سنت لكل كيلوواط ساعة بالمقارنة مع الاستثمارات عبر القطاع العام.
فتقرير المجلس يقول، في مقدمته، إن المبدأين الأهم في عملية إصلاح قطاع الكهرباء، هما:
أولاً: لا فائدة من زيادة الإنتاج من دون إصلاح التعرفة والفوترة والنقل، إذ إن كل كيلوواط ساعة إضافي ننتجه يؤدي إلى خسارة للدولة ما دامت كلفة الإنتاج أعلى من سعر المبيع، وما لم تفوتر نسبة مرتفعة من الطاقة المنتجة. كذلك فإن أي استثمارات في معامل جديدة أو تجهيزات معلوماتية أو غيرها ستترجم نوعاً من الهدر ما لم تُصلَح الإدارة من طريق تشركة مؤسسة كهرباء لبنان وإدخال المؤهلات الشبابية إليها.
ثانياً: يجب أن لا توقف الحكومات العمل بالمشاريع قيد التنفيذ عندما تتولى الحكم، نظراً إلى أن إصلاح قطاع الكهرباء يتطلب وقتاً طويلاً يتجاوز متوسط عمر الحكومات اللبنانية، وهذا قد يكون السبب الأساسي في تعذّر إصلاح الكهرباء في لبنان.
وإذا كان المبدأ الأول واضحاً في معناه ومراميه، أي زيادة التعرفة، فإن المبدأ الثاني يجد تفسيره في متن التقرير، فهو يرمي إلى «القوطبة» على الحكومة العتيدة برئاسة الحريري ودعوتها إلى عدم النظر بأي خيارات أخرى غير الخيارات التي عُمِل عليها منذ سنوات لتبرير خصخصة القطاع وبيعه خردةً إلى بعض المستثمرين المحظيين قبل أن يجرؤ الوزير طابوريان ويعلن عصيانه على «المافيا» ويقدّم حلولاً غير مسبوقة في لبنان لتوفير التيار الكهربائي على مدار ساعات اليوم في كل المناطق في غضون عامين فقط، ومن دون أن تتخلى الدولة عن ملكيتها لهذا القطاع الحيوي جداً.
ولتفسير مرامي المبدأ الثاني، يرد في متن التقرير أن تقدّماً ملحوظاً تحقق في تنفيذ الخطة المزعومة قبل تولّي طابوريان مهماته، «إذ كانت الحكومة قد توصلت في شهر أيار 2008 إلى استراتيجية لإعادة هيكلة مؤسسة كهرباء لبنان، وافق عليها المجلس الأعلى للخصخصة تمهيداً لعرضها على مجلس الوزراء، وجرى تسلّم خمسة عروض في 30 نيسان 2008 لخصخصة إدارة الفوترة والجباية، ووُضع دفتر شروط لإنشاء معمل جديد للكهرباء في دير عمار من القطاع الخاص»... وهذه التفاصيل تكشف أن الخلاف مع طابوريان لم يكن له علاقة بما يطرحه من أفكار لزيادة قدرات الإنتاج، بل بالآليات التي لم تنسجم مع الرغبة بإشراك القطاع الخاص والإفساح في المجال أمامه لتحقيق أرباح مضمونة على حساب اللبنانيين المتعطشين إلى حل نهائي لأزمة التقنين المرهقة والمكلفة.

محاور الخطة

حدد المجلس الأعلى للخصخصة في تقريره المحاور الآتية للخطّة المزعومة، وهي:
‌أ ـــــ إنشاء الهيئة المنظّمة لقطاع الكهرباء، لكن اللافت في الخطّة المزعومة أنها تسعى إلى ادخال تعديلات على القانون 462، بهدف الإجازة لمجلس الوزراء بالقيام لمدة سنة واحدة بدور الهيئة في ما يتعلق بمنح التراخيص والأذون لمنتجي الطاقة والترخيص للشركات المخصخصة (ابحث عن منطق الصفقة والمحاصصة)، واللافت أيضاً الدعوة إلى تعديلات قانونية بهدف تسهيل دخول منتجي الطاقة المستقلين إلى السوق اللبنانية (يبدو أن هناك شركات أجنبية يُراد تسليمها القطاع بالكامل) عبر إعفاء الشركات المرخص لها بالإنتاج من أحكام الفقرة الـ 3 من المادة الـ 78 (المتعلقة بوجوب أن يكون ثلث رأسمال الشركات المغفلة التي يكون موضوعها استثمار مصلحة عامة أسهماً اسمية لمساهمين لبنانيين)، وأحكام المادة الـ86 (المتعلقة بمعاملة التقدير) والمادة الـ 89 (المتعلقة بمنع تداول الأسهم) والمادة الـ 144 (المتعلقة بشرط الجنسية).
‌طلب الإجازة لمجلس الوزراء بمنح التراخيص والأذون لمنتجي الطاقة والترخيص للشركات المخصخصة

إعفاء الشركات المرخص لها بالإنتاج من وجوب أن يكون ثلث رأسمالها أسهماً اسمية لمساهمين لبنانيين
ب ـــــ ما دامت التعرفة غير مرتبطة بأسعار المحروقات، فستعاني مؤسسة كهرباء لبنان العجز المالي. وبهدف معالجة جدّية لهذا الموضوع، ومن دون تحميل الأجيال المقبلة عبء الدين، يجب أن تعكس التعرفة القيمة الحقيقية لإنتاج الكهرباء، ومن هنا ضرورة عدم تحديد التعرفة الجديدة بسعر معيّن، بل أن تكون مبنية على معادلة أسعار المحروقات، وهناك اقتراحات عدة، منها فكرة تقضي بأن تكون هناك تعرفتان ينتقي المستهلك التي تناسبه من بينهما، وتكون الأولى تعرفة منخفضة ما دامت الطاقة المستهلكة دون مستوى معين يُحَدَّد، وإذا تجاوز الاستهلاك هذا المستوى تُفرَض غرامة باهظة على المستهلك. أما الثانية فهي التعرفة العادية التي تتلاءم أكثر مع مستوى استهلاك الفئة الأخرى من المستهلكين وتكون مبنيّة على المعادلة الآنفة الذكر... واللافت في الخطّة المزعومة أنها تسعى في المقابل إلى وضع بند لمواجهة ما تسميه «مشكلة تعديل التعرفة من الهيئة على نحو منفرد»، وذلك لجذب المستثمرين وطمأنتهم إلى أن عقودهم التي ستبرم مع «مؤسسة شراء وبيع الطاقة»، المزمع تأسيسها، لن تكون عرضة للتغيير (ألا يُسمّى ذلك احتكار ومنع للمنافسة وتقويض قدرة الهيئة الناظمة على تنظيم القطاع ومنع التحكّم بالأسعار؟).
‌ج ـــــ توفير المحروقات لإنتاج الكهرباء بأقل كلفة ممكنة، وتنويع مصادرها وأنواعها لتفادي الاتكال على أي مصدر أو نوع محدد، وذلك للتمكن من إحراز استقلالية استراتيجية على المدى البعيد (هذا المحور يمثّل الأساس لاستراتيجية طابوريان المرفوضة)... إلا أن الخطّة المزعومة تعود وتركّز على إنشاء معمل جديد يعمل على الغاز باستثمارات القطاع الخاص في الأرض التي يقوم عليها معمل دير عمار الحالي، علماً بأنها تقرّ بأن الاتفاق مع مصر يوفّر كمية من الغاز كافية لإدارة وحدة إنتاجية فقط في منتصف صيف 2009 ولإدارة وحدتين إنتاجيتين في آخر السنة، ولم تتضح الصورة لجهة ما إذا كانت ستتوافر كميات أكبر في المستقبل تكون كافية لتشغيل وحدات إنتاجية إضافية جديدة لكي يُتَّخَذ، في ضوء ذلك، القرار المناسب بشأن المعمل الجديد في دير عمار، وهذا أصلاً ما دفع بالوزير طابوريان إلى الاعتراض على إنشاء المعمل الجديد على الغاز، وهو ما تقرّ بصوابيته الخطّة المزعومة عندما تشير إلى «أن مصر قد تكون غير قادرة على توفير الغاز الكافي للبنان، ولذلك لا بدّ من اللجوء إلى الخطة البديلة التي تقضي باعتماد الفيول أويل في بعض المعامل للمرحلة الأولى، ريثما تُنشأ معامل أكثر إنتاجيّة تعمل على الغاز المسال أو الفحم الحجري»، وهذا تماماً ما طرحه طابوريان!

زيادة الإنتاج

وتتبنى الخطّة المزعومة ما ورد في استراتيجية طابوريان الممنوعة لجهة معالجة مشكلة النقص في الإنتاج، إذ ورد فيها أن قطاع الكهرباء اليوم يعاني عجزاً يقارب 700 ميغاواط، ويتوقع أن يرتفع هذا العجز إلى 1500 ميغاواط في المستقبل، وهناك حاجة إلى استبدال 1000 ميغاواط من أصل البنية الإنتاجية المتهالكة، ما يجعل القدرة الإنتاجية الإضافية المطلوبة في المستقبل تقارب 2500 ميغاواط... إلا أنها تختلف مع طابوريان في الآليات المتاحة لتوفير القدرات الإنتاجية الإضافية، إذ ترى أنّ من الضروري أن تلجأ الدولة إلى القطاع الخاص لتوفير ولو جزءاً من هذه القدرة الإنتاجية الإضافية، وذلك لتمويل الإنفاق الاستثماري المطلوب في القطاع بالمبالغ التي تتخطى قدرة الدولة.
وتقترح الخطّة للمدى القصير إعادة تأهيل معمل زوق مكايل، لإضافة250 ميغاواط، كذلك تقترح شراء المولّدات المعروفة بالـ«reciprocating engines» العاملة على الفيول أويل لإنتاج نحو 300 ميغاواط (المعروف أنه جرى التهكّم على طابوريان عندما تمسّك بهذه الفكرة).
وتقترح للمدى المتوسط (ثلاث سنوات إلى أربع سنوات) أن تعمل الدولة على جذب استثمار خاص لتوفير ما يقارب 600 ميغاواط. وكان المجلس الأعلى للخصخصة قد أنجز كل الاستعدادات اللازمة لإطلاق مشروع في منطقة دير عمار عبر مناقصة لتصميم، وبناء، وإدارة، وتشغيل، وتمويل، معمل للطاقة بطريقة IPP بقوة 450 إلى 500 ميغاواط، على أن يبيع هذا المعمل إنتاجه إلى الدولة اللبنانية بناءً على عقد تحويل الطاقة (Energy Conversion Agreement).
أمّا على المدى الطويل (من الخمس سنوات فما فوق) فتقترح بناء معمل أو معملين ضخمين يعملان على الغاز الطبيعي أو الغاز المُسال أو الفحم الحجري لتوفير نحو 1500 ميغاواط من الطاقة الاضافية.


3 شركات

تقضي الخطة المزعومة بتقسيم مؤسسة كهرباء لبنان الى ثلاث شركات للإنتاج (الأولى تضم معمل ديرعمار، الثانية تضم معمل الزهراني، والثالثة تضم معامل الزوق، الجية، صور، بعلبك، الحريشة، قاديشا ورشميا)، وشركتين للتوزيع لمنطقتين (شمالية وجنوبية) وشركة للنقل غير قابلة للخصخصة مملوكة من الدولة.



خصخصة الجباية والتوزيع