تزور لجنة حي المهجّرين، الواقع شمالي مخيم نهر البارد، اليوم السفارة الفلسطينية للاطلاع على تفاصيل «قضيّة» استملاك منظمة التحرير الحيَّ، وحث السفارة على إنهائها، تمهيداً لبدء عملية إعادة الإعمارعامان مرّا على حرب البارد. الألم لم ينتهِ بعد. حيوات بأكملها نخرت الحرب تفاصيلها، فلم يعد يبين منها سوى كوم الدمار والركام.. والكثير من الذكريات التي خلّفها «الهاربون» من الجحيم. ولئن كانت عودة بعض النازحين إلى بيوتهم في بعض قطاعات المخيم، المقلوب رأساً على عقب، قد خفّفت من وطأة هذا الألم، فإن بعضاً آخر منهم لم يجد سبيله للعودة حتى إلى ركام منزله. ورغم إطلاق عملية الإعمار في المخيم منذ ما يقارب 3 أسابيع، فإن حياً بأكمله لا يزال «على الأرض» ومعه يوميات 115 أسرة كانت تقطنه قبل أن تمحوه الحرب.
لا يمكن الداخل حي المهجرين إلا أن يلاحظ شيئاً واحداً: كوم متشابهة من الركام والكثير من ألواح الزينكو في الجهة الجنوبية منه. لا يمكن أن يكون هناك شيء آخر، فالحي المتروك لحاله ولأهله المشتتين بين البارد القديم وبراكسات الأونروا (75 عائلة) ومخيمات البداوي وصور وبيروت (40 أسرة) لم يدخل ضمن تركيبة إعادة الإعمار التي تتولاها وكالة الأونروا، لأن أرضه ليست ملكاً للوكالة.
إذاً، لم تسعف حرب «البارد» في ضم حي المهجرين إلى مشروع إعادة الإعمار الذي تتكفله الأونروا. لذلك، كان لا بد من إيجاد البديل. فكان الاتحاد الأوروبي الذي تكفل تأمين 3 ملايين و300 ألف يورو لترميم حياة هؤلاء. ووقّع اتفاقاً مع المجلس النرويجي للاجئين ( NRC) للعمل على إعادة بناء الحي المدمر وعودة ساكنيه إليه قبل حلول العام المقبل.
لكن، قبل المباشرة، تكشّفت للاتّحاد والمجلس مشكلة جديدة تتعلّق بملكيّة أرض الحي، المقسّمة بين منظّمة التحرير الفلسطينية (سجلتها المنظمة باسم 3 مالكين لبنانيين لأن قانون التملك اللبناني يمنع تملك الأجنبي) وأحد الملاكين اللبنانيين هو جهاد الخطيب. وبعد اتصالات مع المنظمة، بشّر ممثلها عباس زكي الأطراف المانحة بأن «مسألة الاستملاك حُلّت»، يقول عضو لجنة حي المهجرين رامي فارس.
بعد الوعد الذي أطلقه زكي خلال حفل وضع الحجر الأساس في البارد آذار الماضي، بدأ العمل. فكلف المجلس النرويجي جمعية «نبع» جمع المعلومات عن سكان الحي ومنازلهم، تمهيداً لإعداد الخرائط. ومنذ أسبوعٍ تقريباً، ولمزيدٍ من الاطمئنان، أجرى المجلس اتّصالات بالمالكين الأربعة، وكان الردّ «بأن المنظمة اتصلت بهم منذ حوالى أربعة أشهر ولم تعاود الاتصال بعدها»، يشير فارس. بعد هذا الاتصال، جمّد المانحون العمل إلى حين توضيح الأمور. وأمام هذا الواقع، لم يجد الأهالي أمامهم سوى طرق باب المنظّمة واستيضاح الأمور العالقة. ولذلك، يزور وفد من لجنة الحي الحادية عشرة قبل ظهر اليوم مكتب زكي للاطّلاع على ما وصلت إليه «قصة الاستملاك» قبل اتخاذ الخطوات التصعيدية. يضع مسؤول دائرة المؤسسات الأهلية في السفارة الفلسطينية إدوار كتورة «استنفار الأهالي» في خانة «طق الحنك». وأكثر من ذلك، لا يخفي كتورة إمكان «إقحام بعض الأطراف ملف نهر البارد في الصراع الداخلي لفتح». ويرد كتورة على هذه «الحركات» بتحديد موعد لإتمام عملية الاستملاك، مشيراً إلى «أن المنظمة تجتمع مع لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني لتوقيع الاتّفاق مع الملاكين ودار الأوقاف». ومن المتوقع، أن يتنازل المالكون الثلاثة (الذين سجلت المنظمة في ما مضى أرضها باسمهم) عن الأرض لمصلحة المنظمة، وأن تدفع المنظمة للمالك جهاد الخطيب 80 ألف دولار لقاء أرضه التابعة للحي، على أن تهب المنظمة الأرض بعدها لدار الأوقاف وفق صيغةٍ قانونية تحفظ حق أهالي حي المهجرين في منازلهم، لكونها لا تستطيع هي استملاكها.
(الأخبار)


حكاية حي

ولد حي المهجرين مصادفةً على الطرف الشمالي للبارد القديم. فبعد مجزرة مخيم تل الزعتر عام 1976، هربت نحو 40 أسرة إلى جوار البارد، حيث عمد أفرادها إلى بناء غرف من الزينكو. وبعد الهجرة المتكررة إلى هناك، اشترت المنظمة الأرض، وسجلتها بأسماء 3 لبنانيين من عكار. وبنت لكل عائلة غرفتين. ومع مرور الزمن، نزحت بعض العائلات من المخيمات المجاورة إلى حي المهجرين، فلم يعد الحي حي «تل الزعتر» واستبدلت التسمية بحي المهجرين. وفي عام 2000، لم يعد الحي يتّسع لأهله، فعملت الأونروا على بناء مجمعات سكنية في البارد ونقلت إليها نحو 18 أسرة فقيرة.