الناصرة المحتلة | برغم أن فرع السياحة في إسرائيل يمثل قرابة 2% من الناتج المحلي ويُشّغل 3.5% من القوى العاملة، فإنه من الفروع التي يؤدي تراجعها إلى أثر معنوي سلبي كبير على إسرائيل. وتضررت السياحة في فلسطين المحتلة خلال العدوان الأخير على غزة بنسبة كبيرة، فقد تراجع مستوى الحجوزات في الفنادق من 80% إلى 30%، وقدّرت الخسائر المباشرة لهذا الفرع بقرابة 2.6 مليار شيكل (100 دولار = 370 شيقل)، كما أنها طاولت غالبية المناطق السياحية الأساسية مثل تل أبيب والقدس والجنوب.
ومع أن الوضع الأمني عاد إلى الهدوء بعد تلك الحرب، فإن عدد السياح ظل منخفضا حتى الشهر الماضي، إلى أن أتت الهبة الشعبية الفلسطينية الجارية والعمليات الفردية (الطعن والدهس)، لتعيد قطاع السياحة، وقطاعات اقتصادية أخرى إلى مربع الأزمة. ووفق المُعطيات التي سجلها «اتحاد إدارة الفنادق في إسرائيل»، فإن عدد الغرف التي حجزت للنوم في النصف الأول من عام 2015 هي أقل بـ 25% مما كانت عليه في المدة الموازية من 2014. وسجل شهر حزيران الماضي انخفاضا بنسبة 20% مقارنة بالشهر نفسه من السنة الماضية، الأمر الذي دفع وزارة السياحة إلى نشر حملة إعلانيّة موسعة تشجع السياح للوصول إلى فلسطين المحتلة معتمدة فيها على فكرة السياحة الدينية والحجيج.
لكن التصعيد الأمني الجاري تسبب في التشويش على مخطط الوزارة، في ظل أن معطيات نشرت هذا الأسبوع تؤكد أنّ قرابة 25% من السياح الذين كانوا ينوون الوصول إلى إسرائيل قد ألغوا حجوزاتهم، فيما يحاول قطاع السياحة العمل على إقناعهم بالمجيء وتدارك الموقف. ونسب مكتب اتحاد السياحة هذا التراجع إلى الوضع الأمني، متوقعا أنه إذا استتب الأمن فهناك احتمال أن «نقنع قرابة الثلث من الـ25% العدول عن رأيهم والقدوم إلى البلاد».
أما لو استمر التوتر، فإنه توقع أن يكون قطاع السياحة في إسرائيل على شفا الانهيار. وفي هذه الحالة، سيضطر المكتب المذكور وجهات أخرى، إلى العمل على «مرحلة ترميم قد تطول إلى خريف 2016 وتحتاج إلى مبالغ طائلة لنقنع سياح العالم بأن الوضع في هذه البلاد آمن».

«لو استقرت الأمور
فسنقنع ثلث الذين ألغوا رحلاتهم بالعدول عن رأيهم»

في هذا السياق، يقول المرشد السياحيّ الفلسطيني، خليل حداد، إن الأصل أن تكون المدة الحاليّة «موسما سياحيّا زاخرا»، وخاصةً في ما بين فصل الصيف ورأس السنة وأعيادها. ويلفت حداد إلى أنه كان معدل السياح في كل مجموعة هو 30 شخصا، لكنه انخفض إلى 20 خلال الأسابيع الأخيرة. وعن هوية السياح، قال إن أغلبهم من دول أفريقية أو هنود أو من أميركا اللاتينية ويصلون هنا بهدف الحج، فيما الجزء الأكبر ممن ألغوا حجوزاتهم هم من الأوروبيين والأميركيين. وبالنسبة إلى الأماكن التي يقصدها السياح حاليا، فإن المرشد قال إن الوجهة المقصودة الآن هي مدن الناصرة، وطبريا (شمال فلسطين المحتلة)، وبيت لحم (جنوبي الضفة المحتلة)، لافتا إلى أنه طلب منه مؤخرا تجنب الدخول إلى البلدة القديمة في القدس. كذلك عممت وزارة السياحة الإسرائيلية منشورًا على مكاتب السياحة طلبت فيه منهم تجنب زيارة أريحا (شرق الضفة)، برغم أنها من المدن الهادئة نسبيا.
حداد رأى أن الهدف من إصدار المنشور هو رغبة الجانب الإسرائيلي في دعم اقتصاده فقط، لذلك يطلبون أن يكون البديل للسائح عن أريحا مكان يدعى خربة قمران، وهي منطقة سياحية تسيطر عليها إسرائيل وتقع داخل مستوطنة، ووصول السياح إليها يوفر دعما ماليا كبيرا للمستوطنة.
على صعيد متصل، فإن الأرقام الرسمية الصادرة عن «مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي»، أظهرت حدوث تراجع في صادرات إسرائيل من الخدمات خلال الشهور الثمانية الأولى من العام الجاري، مقارنة بالمدة المناظرة من العام الماضي، بنسبة 3.4٪، وذلك من 22.75 مليار دولار إلى 22 مليارا.
يقول مدير «البرامج البحثية» في مركز «مدى الكرمل» في حيفا، امطانس شحادة، إن «الاقتصاد الإسرائيلي أظهر متانة لا بأس بها في السنوات الأخيرة مقابل الأزمات العالمية، لكن بدءا من عام 2014 بدأت تظهر ملامح تباطؤ ما»، لافتا إلى أن المؤشرات الاقتصادية الأساسية تظهر تحسنا ملحوظا منذ 2009 حتى 2012 وتراجعا طفيفا منذ بداية 2014.
وأضاف شحادة: «الاستقرار الأمني والسياسي ساهم إلى حد بعيد في نمو الاقتصاد الإسرائيلي في الأعوام الأخيرة، ولكن العدوان على غزة أدى إلى تخلخل الاقتصاد الإسرائيلي بسبب كلفة الحرب وآثارها السلبية على الناتج المحلي، بل قد يتحول إلى ركود اذا استمر التوتر الأمني».
وفضلا عن تأثر السياحة الوافدة إلى فلسطين المحتلة، يشير الرجل إلى تأثر مستويات الاستهلاك والسياحة الداخلية، كما أن «الوضع الأمني سيؤدي إلى تراجع عددِ العمال الفلسطينيين في إسرائيل خاصة في فروع البناء، وهو ما سيساهم في المديين المتوسط والبعيد في ارتفاع أسعار المنازل». إلى جانب ذلك، على الحكومة الإسرائيلية تخصيص موارد مالية إضافية لوزارة الأمن والداخلية، وهي إضافات ستأتي حتما على حساب مشاريع تنموية واستثمارات في البنى التحتية. هذا كله، كما يرى شحادة سيزيد التباطؤ الاقتصادي، منبها إلى أن أي تراجع في الاقتصاد الفلسطيني وموارد السلطة يؤثر سلبيا في نمو الاقتصاد الإسرائيلي، لأن «غالبية الاستهلاك الفلسطيني مصدره إسرائيل».
واختتم بالقول: «بمعزل عن أزمة القطاع السياحيّ، هناك احتمالات سوداوية على الاقتصاد الإسرائيلي إذا استمرت الانتفاضة الشعبية الفلسطينية. غالبية المؤسسات الاقتصادية ومراكز الأبحاث وبيوت الاستثمار تشير إلى وجود خشية جدية من التباطؤ الاقتصادي. هكذا كان الوضع في الانتفاضة الأولى والثانية وخلال الحروب على غزة».