من الأفران إلى المستشفيات، طبيعة واحدة لنقابات أصحاب العمل، الاستقواء والتحكم بالحاجات الأساسية للمواطنين لتحقيق مصالح فئوية معينة، آخر الضغوط اللاإنسانية تمثّلت بالتهديد بعدم استقبال المضمونين في المستشفيات... فالأخيرة تريد زيادة تعرفتها، والّا...!
رشا أبو زكي
المضمونون مهدَّدون مجدداً، فنقابة المستشفيات تريد من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي زيادة التعرفة الاستشفائية، متسلحة بقرار صدر عن مجلس الوزراء في آذار الماضي يدعو الصناديق الضامنة جميعها إلى التزام التعرفة الموحدة، ولكي تصل إلى تحقيق مطلبها، بعدما أصبح التوجه في الضمان نحو عدم التزام قرار الحكومة بسبب عجزه المالي، قررت أن تستخدم حياة المضمونين رهينة لمساومة مجلس إدارة الضمان، فإما زيادة التعرفة أو وقف استقبال «مرضى الحالات غير الطارئة» وإما... أن يدفع المرضى المضمونون ذوو الحالات الصعبة فروقات التعرفة!
هذا التهديد جاء على لسان رئيس نقابة أصحاب المستشفيات سليمان هارون منذ أيام من أمام باب مكتب رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة، الذي أقر زيادة التعرفة منذ 4 أشهر، إذ قال هارون: «سنوقف خدماتنا الاستشفائية عن المضمونين كما فعلنا مع مرضى تعاونية موظفي الدولة منذ أشهر». ولم يصدر أي موقف اعتراضي من السنيورة، ما فسّر بمثابة تغطية لهذا التهديد، ولا سيما أن الأخير يعلم أن الصندوق يعاني عجزاً كبيراً وصل إلى حدود 450 مليار ليرة، ما يمنعه من إقرار أي زيادة على التعرفة من دون رفع الاشتراكات، وهو، أي السنيورة نفسه، أوعز إلى ممثلي الدولة في إدارة الضمان رفض الاقتراح الذي تقدم في مجلس إدارة الضمان بزيادة التعرفة في مقابل زيادة الاشتراكات على أصحاب العمل والعمال 2% سواسية لتغطية زيادة التعرفة... كأنه يقول للضمان: زد التعرفة ولا تمسّ بأصحاب العمل واشتراكاتهم، وليذهب الصندوق ومليون و300 ألف مضمون إلى الجحيم!

التعرفة العصيّة

ففي 17 آذار 2009 وافقت الحكومة على اقتراح وزير الصحّة محمد جواد خليفة زيادة تعرفة الإقامة في الغرفة العادية في المستشفى إلى 70 ألف ليرة، والعمل وفق البدل المقطوع للأعمال الاستشفائية المنفّذ في وزارة الصحة، زيادة قيمة التثقيل لتعرفة الطبيب إلى 6500 ليرة بالتزامن مع مبدأ فصل الأتعاب، توحيد العقود بين الجهات الضامنة والمستشفيات وتضمينها المعايير نفسها، اعتماد جدول الأعمال الطبية المعتمدة في صندوق الضمان الاجتماعي...
إلا أن هذا القرار غير ملزم لمجلس إدارة الضمان، لكون الأخير مؤسسة مالية مستقلة، كذلك فإن مجلس إدارة الضمان انتهت مدة ولايته، وهو لا يستطيع قانوناً إصدار قرار بزيادة النفقات إلا في حال إصدار قرار إنشائي يوفّر مصدر تمويل واضحاً للنفقات الإضافية. ومن جهة أخرى، فإن خفض نسبة الاشتراكات عام 2001 على أصحاب العمل بنسبة 50% أدى إلى تراكم العجز المالي في فرعي المرض والأمومة والتعويضات العائلية، ما اضطر إدارة الضمان اللجوء إلى سحب الأموال من فرع نهاية الخدمة سحباً غير قانوني منذ عام 2003 حتى اليوم، وهذا الواقع يجعل من تطبيق زيادة التعرفة والإجراءات الأخرى المرتبطة ضرباً من الاستحالة، لكون هذه الخطوة سترتب على الصندوق مدفوعات جديدة تقدَّر بـ 100 مليار ليرة سنوياً... وهنا يشرح ممثل العمال في مجلس إدارة الضمان، جهاد المعلم، أن المادة الـ 66 من قانون الضمان تفرض أن يتوافر التوازن المالي في أي قرار صادر عن مجلس الإدارة، وبالتالي فإن تنفيذ قرار مجلس الوزراء يستلزم زيادة الاشتراكات. إلا أن ممثلي الدولة وأصحاب العمل رفضوا زيادة الاشتراكات بقيمة 1 في المئة على العمال و1 في المئة على أصحاب العمل، وبالتالي سقط القرار، لافتاً إلى أن ممثّل القطاعات الصحية والاستشفائية في مجلس الإدارة، سامي الشرتوني، صوّت ضد قرار زيادة التعرفة كذلك، ورأى أنه ليس من مصلحة أصحاب المستشفيات وقف استقبال المضمونين، لكونهم يمثّلون أكثر من نصف «زبائن» المستشفيات، وبالتالي فإن هذا الإجراء ليس من مصلحتهم، مشيراً إلى أن الحل يجب أن يكون عبر الضغط على ممثلي الدولة وأصحاب العمل لزيادة الاشتراكات، لكون الدولة تغطي زيادة التعرفة في الصناديق الضامنة الأخرى.

نقابة المستشفيات تلوّح

إلا أن رئيس نقابة أصحاب المستشفيات، سليمان هارون، رفض ربط موضوع التقديمات الاستشفائية بالتوازن المالي في الضمان، «فالأولوية هي توفير الخدمات للمضمونين»، ولوّح بعقد جمعية عمومية خلال الأسابيع المقبلة لاتخاذ قرار في شأن الضمان الاجتماعي الذي لم يلتزم قرار الحكومة، موضحاً بقوله: «إنهم يجبروننا على اتخاذ قرارات تؤثر على المرضى، ومن ضمنها عدم استقبال الحالات الاستشفائية غير الملحّة، أو أخذ فروقات التعرفة من المرضى في الحالات الصعبة التي لا يمكن وقف استقبالها». ورأى أن المستشفيات تتريث في اتخاذ هذه القرارات لكون الضمان يغطي مليوناً و300 ألف مواطن، ما سيؤثر على شريحة حالتها الاقتصادية دقيقة. واستغرب أن يكون مجلس الإدارة في إطار بحث ما إذا كان قرار الحكومة ملزماً أو غير ملزم للضمان. ورأى أن ما طرح على التصويت في مجلس إدارة الضمان هو تنفيذ جزء من قرار الحكومة في مقابل رفع الاشتراكات، وبالتالي أُغفلت بنود واردة في قرار الحكومة، ومن هذا المنطلق لم ينل الاقتراح الموافقة.
ورأى ممثّل أصحاب العمل في مجلس إدارة الضمان، غازي يحيي، أنه يجب تعديل التعرفة، إلا أن مجلس الإدارة غير قادر على اتخاذ قرار، لكونه في فترة تصريف أعمال، ويمكنه إصدار قرار بعد توفير تمويل للنفقات الإضافية الناتجة من زيادة التعرفة والإجراءات الأخرى الواردة في قرار الحكومة ليصبح القرار قانونياً، شارحاً أنه أبلغ هارون أن الدخول بالتزام مالي جديد يحتاج إلى مصادر تمويل أو دفعات استثنائية من الدولة أو زيادة الاشتراكات، علماً بأن الضمان يعاني عجزاً تراكمياً، وهو يتوجه إلى ارتفاع العجز، ودعاه إلى مراجعة الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام والمعنيين بمستقبل العناية الطبية، وذلك لبحث اقتراحات تؤدي إلى توفير واردات مالية لتغطية النفقات المستحدثة. وأوضح يحيى أنه رفض هذا الاقتراح كذلك، لأنّ «موقفي مرتبط بجمعية الصناعيين والهيئات الاقتصادية».


4 في المئة

هي نسبة الهدر في المستشفيات وفق هارون، الذي رأى أن هذه النسبة ضئيلة، فيما الهدر الأساسي يتركز في المختبرات ومراكز الأشعة وسعر الدواء المرتفع في لبنان، مقارنة بالدول الأخرى، إضافة إلى الفواتير الطبية المختلفة.


محاولة لإفلاس الضمان؟

رأى رئيس الاتحاد العمالي العام، غسان غصن، أن عدم تصويت أصحاب العمل وممثلي الدولة على زيادة الاشتراكات في مقابل زيادة التعرفة هو مخالفة لقانون الضمان. وأوضح أن ممثلي الحكومة الـ 6 في مجلس الإدارة مصرون على عدم الموافقة على زيادة الاشتراكات، وذلك ضمن توجه عام لدى الحكومة في إفلاس الضمان، مشيراً إلى وجود تواطؤ بين أصحاب العمل وممثلي الدولة على عدم إعادة التوازن المالي للصندوق، وقال إنّ «الأجدى بنقيب المستشفيات أن يطالب رئيس الحكومة بإلزام ممثليه التصويت إيجاباً على زيادة الاشتراكات مقابل رفع التعرفة».