لم يعد «الباشا» المصري قادراً على كبح جماح الدول المتشاطئة حول حوض نهر النيل، المورد الرئيسي للمياه العذبة لنحو ثمانين مليون مصري، فيما تتصاعد الأصوات المطالبة بتعديل الاتفاقيات التي تمنح «الباشا» هيمنة أكبر على الحصص السنوية من المياه
القاهرة ــ الأخبار
يبدو أن المفاوضات حول الاتفاقية الإطارية لمبادرة دول حوض النيل، شاقّة ولم تحسم، بل أجِّل بتّها إلى موعد لاحق، ربما بانتظار تدخّل من مكتب الرئيس المصري حسني مبارك، أو عبر مكتب أبرز مساعديه، رئيس جهاز الاستخبارات المصرية، اللواء عمر سليمان، لإصلاح ما عجزت عنه الدبلوماسية التقليدية.
لكن وزراء الموارد المائية في دول حوض النيل، اتفقوا في الجلسة الختامية لمؤتمر وزراء دول حوض النيل في الإسكندرية أول من أمس، على الاستمرار في المفاوضات والتشاور بشأن نقاط الخلاف حول الاتفاقية، التي تتمثل في ثلاث نقاط أساسية هي «الأمن المائي والموافقة المسبقة والحقوق التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل».
بيد أن مصادر مصرية ذكرت لـ«الأخبار» أن مبارك تابع بنفسه تطورات قضية اتفاقية دول حوض النيل، مشيرة إلى أن الاهتمام الرئاسي بهذه القضية هو أمر طبيعي في إطار الحفاظ على مفهوم الأمن القومي المصري.
وتقول معلومات غير رسمية إن تدخل إسرائيل لدى حكومات بعض دول حوض النيل قد صعّب المواجهة مع السلطات المصرية في مواجهة تصاعد نغمة المطالبة بتعديل الاتفاقيات الخاصة باقتسام نهر النيل.
وخلال السنوات الأخيرة، تعرضت مصر لانتقادات حادة، كان أبرزها من رئيس الوزراء الإثيوبي، ميليس زيناوي. غير أن تحسّن العلاقات المصرية الإثيوبية أخيراً و«تفهم مصر» للغزو الإثيوبي للصومال خلال العامين الماضيين، ساهما في احتواء هذه الانتقادات. وتؤكد مصادر عليمة أن القاهرة ترصد التحركات الإسرائيلية التي تستهدف التأثير على موقف بعض دول حوض النيل.
وتبدو مصر متمسّكة بحصتها التاريخية البالغة (‏55,5‏ مليار متر مكعب) من مياه النيل سنويا‏ً،‏ إلى حين التوصل إلى صيغ توافقية تضمن الأمن المائي لجميع دول النيل‏.‏ وتعطي اتفاقية عام 1929 الموقّعة بين مصر وبريطانيا نيابة عن دول شرق أفريقيا، التي كانت تستعمرها في ذلك الوقت، لمصر حق الاعتراض على أي استخدام لمياه بحيرة فيكتوريا، قد تشعر بأنه يهدّد منسوب المياه في النيل.
وتعود جذور الأزمة المائية بين مصر ودول الحوض إلى تاريخ استقلال دولة تنزانيا في عام 1964، حين أصدر الرئيس التنزاني وقتها إعلاناً باسم «مبدأ نيريري»، يتضمّن عدم الاعتراف بالاتفاقيات التي أبرمت قبل إعلان الاستقلال ومن بينها اتفاقية 1929.
وأيدت هذا المبدأ كل من أوغندا وكينيا، ثم وقّعت تنزانيا مع رواندا وبوروندي اتفاقية نهر كاجيرا (أحد روافد بحيرة فيكتوريا) عام 1977، التي تتضمن عدم الاعتراف باتفاقية 1929، كذلك أعلنت إثيوبيا رفضها لاتفاقيتي 1929 و1959، وقامت في عام 1984 بتنفيذ مشروع سد «فيشا» (أحد روافد النيل الأزرق)، بتمويل من مصرف التنمية الأفريقي، وهو مشروع قد يؤثر على حصة مصر من مياه النيل بنحو 5 مليارات متر مكعب في السنة.
وعاد التوتر بين مصر وتنزانيا عقب تصريحات لوزير الثروة المائية التنزاني في 2004، قال فيها «إن بلاده ترغب في التزود من مياه بحيرة فيكتوريا عبر أنابيب تمتد 170 كيلومتراً لتصل إلى القرى في تنزانيا دون إخطار أحد، باعتباره حقاً لبلاده».