دلال غالب، امرأة تبلغ من العمر ثمانية وثلاثين عاماً، وصلها في أحد الأيام خبر مؤلم.لم تكن تشعر بآلام في جسدها، «لكن تغير لون الثدي دفعني الى مراجعة طبيبتي. هي ارتابت وقررت إجراء فحوص وصور شعاعية، فتبين وجود كتلة خبيثة وَجُب استئصالها». تتحدّث غالب لـ«الأخبار» عن «رحلة العذاب المزدوجة: في مدينتي، الحسكة، ما من مستشفى متخصص في علاج السرطان، لذلك انتقلت الى دمشق. هناك، لم يكن العلاج مجانيا بشكل دائم، إذ اضطررت مؤخراً الى شراء جرعتين اضافةً الى تكاليف السفر الباهظة».

مثلٌ آخر نجده في دار أبو خلدون، حيث يعيش عدد قليلٌ من أقارب وأصدقاء العائلة لتقديم واجب العزاء بأبو خلدون الذي توفي نتيجة اصابته بسرطان الدم، استناداً الى ابنه. «حين اكتشفنا المرض بدأ والدي يتلقى العلاج، إنما الجرعات التي كان يتلقاها كانت أحياناً ناقصة بسبب عدم توافر الدواء كاملاً». المشكلة الثانية التي واجهت العائلة هي «عدم توافر صفائح الدم التي توفرها المؤسسات الحكومية فقط، لذلك سافرنا الى لبنان طلباً للعلاج في مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت، ولكن كنا قد تأخرنا». خلدون الذي تكبدّ قرابة الـ4 ملايين ليرة تكلفة العلاج في بيروت، يُطالب الحكومة السورية بالسماح بـ«استيراد شركات خاصة للادوية بدل حصرها بمؤسسة التجارة الخارجية».
«رحلة العلاج» تكون عادةً محفوفة بمخاطر عدّة، ولا سيما خلال التوجه الى العاصمة حيث المركز الرئيسي لعلاج الأورام السرطانية، فمعظم الطرقات الدوليّة التي تربط دمشق بباقي المحافظات هي اجمالاً غير آمنة نتيجة المعارك وسيطرة المجموعات المسلحة. أما بالنسبة للسفر جواً، فإما ان يكون مُكلفاً أو غير متوافر، كالمحافظات الشمالية مثلاً. في مستشفيات دمشق معاناة أيضاً سببها ارتفاع أعداد المرضى وتراجع كميات الدواء المتوافرة، ما فتح الباب أمام عمليات السمسرة والوساطات.
طبيب الأورام السرطانية عامر الشيخ يوسف يُقرّ بصعوبة إحصاء مصابي الأورام الخبيثة: «من المؤكد أن الإصابات ارتفعت خلال سنوات الحرب، ولكننا نحتاج الى دراسات خاصة لتوثيق هذا الكلام بسبب غياب السجل الوطني للسرطان الذي يوثّق جميع الحالات». يتحدث عن «العقوبات الاقتصادية التي أثرّت في نوعية الدواء المستخدم. في العالم نوعان من الدواء: الاصلي والـ cop. ونحن مع الأسف نستورد عددا من الأدوية من الدول الصديقة كالهند وغيرها التي يجب أن يُدقق بفعاليتها».
عامل آخر يذكره يوسف وهو «ظروف المناطق التي يقيم فيها المصابون والتي لا تسمح لهم بالاستمرار في العلاج». فهو يتذكر كيف كان يُساعد «أصدقاؤنا الأطباء على متابعة المرضى في المناطق الساخنة، ولكن مع اتساع دائرة الحرب وضعت كتابا يحوي جميع الأنظمة العلاجية المعتمدة عالمياً في علاج السرطان وذلك من أجل أن يكون دليلا للأطباء غير المختصين لمساعدة المرضى».

253 طفلاً

بالاضافة الى الصعوبات المذكورة آنفاً، تحضر مشكلة أخرى: تراجع التبرعات والتمويل للجمعيات والمبادرات الأهلية. رئيسة جمعية «بسمة» المعنية بتوفير الدعم لمعالجة الأطفال المصابين بالسرطان سهير بولاد تُعبرّ عن المخاوف من «توقف الجمعية عن تقديم الدعم للأطفال نظراً لشح الدعم المادي. انخفضت كثيراً نسبة التبرعات نتيجة هجرة المتبرعين وتبدل أولويات المواطنين وتوقف الجمعية عن القيام بحملات ضخمة لجمع التبرعات. نحن حالياً نصرف من الاحتياط الذي لدينا». تقول بولاد إنّ «معظم الأدوية أجنبية وليس لها بديل محلي، الذي ان توافر فلا يكون فعالا»، مضيفةً أنّ «الطلب على العلاج من القطاع الخاص داخل سوريا ارتفع، وخاصة في ما خصّ العمليات الجراحية التي يصعب إجراء العديد منها في المستشفيات العامة». ارتفع أيضاً «عدد الأطفال الذين يتلقون العلاج من أطباء القطاع الخاص داخل سوريا». أما بالنسبة الى «بسمة»، فهي تُسهم «في علاج الأطفال المصابين بالسرطان والمعالجين ضمن مراكز تخصصية، وذلك عبر تحملها 50% من قيمة المعالجة». ووفقاً لبيانات الجمعية فقد استقبلت عام 2013 «56 طفلاً جديداً و29 طفلاً جديداً عام 2014، ليصل عدد المسجلين في هذا البرنامج منذ عام 2007 حتى نهاية شهر أيلول الماضي نحو 253 طفلاً».
وفي هذا السياق، تؤكد الجمعية أنها بحاجة الى أكثر من خمسة عشر مليون ليرة سورية شهرياً كمصاريف، «بلغ إجمالي إنفاق الجمعية عام 2014 نحو 178 مليون ليرة مقابل نحو 95.6 مليون عام 2011». أما مصاريف علاج الأطفال، فبلغت «في مستشفيات البيروني والمواساة والاطفال في عام 2014 نحو 66 مليون ليرة، هي قيمة الدواء المصروف للأطفال».
كلّ ذلك، لم يمنع عددا من السوريين المصابين بالمرض من السفر إلى دول الجوار كتركيا والاردن ولبنان للحصول على العلاج الذي ترتفع تكاليفه. ووفقاً لتقديرات خبراء في مجال العلاج الكيميائي فإن تكلفة علاج مرض سرطان الدم لدى الأطفال في الخارج تراوح بين 25 و30 ألف دولار أميركي. لذا يبقى الحلّ أمام بعض المرضى، اللجوء الى الجمعيات الخيرية سواء في لبنان أو الأردن من أجل أن تتكفل في تكاليف العلاج.