الأخبار عن التصريحات السياسية لعادل إمام تتصدر الصفحات الأولى. ويبدو أنه هوس من نجم نجوم السينما بالاستعراضات السياسية. فلم يعد يمر شهر إلا يصدر عن عادل إمام تصريح صادم
وائل عبد الفتاح
لم تكن صدمة تصريحات عادل إمام وليدة أفق توقعات مختلف عن موقف سياسي، لكن في مستوى الوعي الذي لا يضع فرقاً كبيراً بين إمام وشخص عادي تعرض لحملات غسل دماغ مكثفة. عادل إمام في الاستعراضات التلفزيونية يشبه ضحايا الترويض عبر رسائل مكثفة تهدف إلى صناعة مواطن على مقاس حكومته.
الصدمة ليست في الموقف السياسي، مع التوريث أو ضد المعارضة، لكنه في طريقة التفكير القريبة جداً من منطق غوغائي يتعامل مع السياسية بـ«البركة»، كما يقول المصريون. عادل إمام قدّم استعراضاً متخماً بأفكار ضد التفكير. وفي برنامج اسمه «واحد من الناس»، يبدو إمام «بطلاً مضاداً» يحمل رسائل على ظهره من دون أن يفكر فيها ولا في مردودها. لم يترك لنفسه مساحة صغيرة للاختلاف أو للتفكير. إنه مندوب دعاية. ممثل ملتزم بالنص الحرفي لخطاب السلطة. لم يجد مساحة إبداع تجعله يرتجل. ولا يصنع إزاحات يبدو فيها أكبر مما يدعو إليه. وكان يمكن أن يبتعد عن فخ السياسة لأنه ليس خبيراً بها، ويثير أفكاراً في منطقة أخرى، أو حتى يفتح زوايا تفكير جديدة. لكن أن يردد نص السلطة بحذافيره، فهذا هو المدهش. والأكثر إدهاشاً ليس تأييده لسيناريو التوريث الغامض والمرفوض، لكن لأن هذا التأييد أعمى. لم يمكنه من التقاط إشارات مثل سقوط سامح عاشور في نقابة المحامين ليس بسبب مؤامرة من الإخوان المسلمين فقط، بل لأنه أقام جسوراً مع الحزب الوطني. التصويت كان غالباً ضدّ هيمنة الحزب الوطني ورغبة في التغيير. هذه إشارة يمكن متابعاً بسيطاً، لا شخصاً يظهر على الشاشة ليؤدي دور الموجه السياسي، التقاطها.
الاستعراض الذي قدمه عادل إمام ليس كلاماً في السياسة، لكنه دعاية لحزب الرئيس. نفاق علني مجرد يفتقد مهارات إمام الممثل. نفاق خشن يهاجم خصوم السلطة بمنطق غوغائي. إذ يقول عن أيمن نور: «كيف أنتخب شخصاً دخل السجن وطلق امرأته؟».
عادل إمام يتحدث بصلافة عن أشياء ناعمة ويستبيح مساحات لنفسه، محميّاً بنفوذ النجم الذي يفتقد بريقاً ليس قليلاً كلما ظهر في برامج على الشاشة. في هذه البرامج لا يترك عادل إمام نفسه مفتوحاً للجمهور أو للمذيع، يفرض شروطه ليضمن أن لا أحد يمسه أو سيحاول الاقتراب منه ليرى الجمهور صورة أخرى للنجم الذي احتكر الشاشة ربع قرن.
عادل إمام في «التوك شو» يفتقد الجاذبية. إنه شخص عادي تماماً. يشبه المسؤولين الرسميين، وبالتحديد النوع الذي لا يتمتع بثقة كافية في النفس فيخرج الحوار مملاً، ولا يبقى منه إلا تصريحات ساذجة كلها عادة رسائل نفاق معلن. رسائل لا تقدم فكرة لمّاحة، لكنها تؤكد غلاظة غريبة على نجم كوميديا خفيفة.
يحكي مثلاً أنه تعرض لمشاكل في فيلم «السفارة في العمارة»، وأنه اتصل بالرئيس، الذي قال له: «اشتغل يا عادل». ويخلص من هذه الفكرة أن «الرئيس سندي». أي إنه يتصور أنّ قدرته على الوصول إلى الرئيس سبب كافٍ لمحبته. من هنا، فإنه عندما يقول ما معناه أن «لا بديل من جمال مبارك»، فإنه ليس رأياً سياسيّاً، بل هو محض دعاية مكشوفة. والفرق بينهما كبير. لأن السياسة ليست ترويجاً لسلعة، لكنها احترام لمبادئ. ومبدأ التوريث أو تفريغ الساحة لشخص واحد ضد الاختيار أو الديموقراطية.
ربما لم يعد عادل إمام يفهم هذا الكلام، ونسي اللحظات التي اقترب فيها من اليسار عندما كان اليسار صاحب الكلمة النافذة في الفن والثقافة. عادل إمام وقتها كان ممثلاً شعبياً. صعد إلى منصة النجومية في لحظة صادمة.
الجمهور الكبير رأى نفسه في عادل إمام: الشخص الصغير وهو بطل للحياة اليومية، بلا قوة ولا قيم كبيرة. فقط بذكاء فطري وقدرة على أن يربك المشهد المتزن لطبقات استقرت على قمة المجتمع. كانت لعادل إمام ردود فعل مدهشة. تعبيراته طازجة. تفاجئ الجمهور والممثلين. هذا في البدايات، لكن بعد وصوله إلى النجومية الصارخة، تحولت الطزاجة والتلقائية إلى لعبة مكررة وأقنعة ثابتة.
بدايات عادل إمام كانت مبشرة: صعلوك قادم من شرائح فقيرة جداً، تعرفه مقاهي شوارع وحارات القاهرة. تربى في مناخ ثقافي وفي مدارس تمثيل غير تقليدية. ولعبت السياسة برأسه إلى حد ما، أي كانت مصادر خبراته ومعارفه أوسع قليلاً من الثقافة العامة التي تبثها الصحف والتلفزيون، إضافة إلى موهبة لافتة تستطيع إضافة طابعها على أي شخصية. عادل إمام اختار خلطة النجاح بديلاً من الفن والحياة نفسها. أصبح أسير نجوميته. لم يتحرر منها. وهكذا من الطبيعي أن يتحول عادل إمام إلى ماكينة دعاية لأي سلطة، من الدعاية لنفسه وحتى لجمال مبارك وأبيه الذي لا يزال في السلطة.
كلها دعاية للخلطة.