الشركات تشير إلى تقنين في التوزيع... والوزارة تنفي
رشا أبو زكي
في كانون الأول الماضي، بدأت أزمة فقدان مادة المازوت الأحمر من السوق المحلية واستمرت حوالى شهرين، وكان التبرير حينذاك يدل على زيادة الطلب بفعل بداية فصل الشتاء. ومع اشتداد الأزمة، ضخّت وزارة الطاقة والمياه كميات كبيرة من المازوت في السوق، وصلت بحسب الوزير آلان طابوريان إلى 10 ملايين ليتر يومياً، بعدما كانت لا تتعدى 3 ملايين ليتر في الأوقات الطبيعية، وقيل حينها إن الأزمة انتهت، وإن الكميات كافية لتلبية حاجات السوق... إلا أن عدداً من أصحاب المحطات يشيرون إلى تجدد الأزمة منذ آذار الماضي، فيما تؤكد مصادر رسمية لـ«الأخبار» أن الكميات المسلّمة تفوق حاجة السوق المحلية، وأن الحديث عن أزمة يدخل في مجال ألاعيب التجار لزيادة
أرباحهم.
وتقول مصادر نفطية لـ«الأخبار» إن أزمة المازوت قائمة حالياً، وسببها نفاد مخزون مصفاتَي الزهراني وطرابلس من المازوت الأحمر. ولفتت المصادر إلى أن تسليمات المصفاتين تقلّصت، فأصبحت الشركات تتسلّم 25 في المئة من حاجاتها فقط، وهذا الواقع أدى إلى ازدهار السوق السوداء في بيع مادة المازوت، إضافة إلى تطور حجم التهريب بسبب ارتفاع السعر المسجل في لبنان عن السعر الرسمي في سوريا...
إلا أن مصادر رسمية أكدت لـ«الأخبار» أنه ليس هناك أي أزمة في مادة المازوت، بل جشع من التجار، يتجسد تخزيناً للمازوت لبيعه فيما بعد بأسعار مرتفعة، نظراً إلى ارتفاع أسعار هذه المادة عالمياً. وتوضح المصادر أن جدول تركيب الأسعار المعتمد يسعّر المواد كل أربعة أسابيع، وبالتالي يستطيع التجار مراقبة حركة الأسعار العالمية، فيقومون بشراء كمية كبيرة من المادة بسعر معين ويقنّنون طرح المازوت في السوق، تمهيداً لبيعه في الأسابيع اللاحقة بأسعار أكثر ارتفاعاً، ما يحقق لهم أرباحاً إضافية ضخمة. وتشير المصادر إلى أنه في السابق كانت آلية التوزيع تعتمد على كوتا محددة، وكان عدد من المستفيدين يملكون حصصاً لكنهم لا يعملون في مجال بيع المحروقات، فيشترون المازوت حين تكون الأسعار منخفضة ومن ثم يبيعونه بعد ارتفاع السعر ليحققوا ثروات. إلا أنه في عهد الوزارة الحالية أُلغيت هذه الآلية، بحيث استبدلت بآلية تعتمد على تحديد حصص الشركات العاملة فعلياً في السوق، وفق حاجتها الحقيقية، التي حُدّدت عبر دراسة الكميات التي كانت تبتاعها الشركات بانتظام من مصفاتي طرابلس والزهراني، وبالتالي خرج «البارازيت» من لعبة الإفادة، ما أثار غضبهم.
وتؤكد المصادر وجود دراسة تعمل عليها وزارة الطاقة، تحدد تطور الطلب في السوق المحلية على مادة المازوت الأحمر، بحيث كان في عام 2003 حوالى 600 ألف طن، وفي عام 2004 حوالى 565 ألف طن، وفي عام 2005 حوالى 500 ألف طن، وانخفض الطلب في عام 2007 إلى 300 ألف طن، ليرتفع في عام 2008 إلى 387 ألف طن... فيما الوزارة ضخّت حوالى 520 ألف طن من المازوت الأحمر في السوق المحلية خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي. وتقدر المصادر أن تصل الكميات المطروحة في السوق في نهاية عام 2009 إلى مليون طن من المازوت، أي بارتفاع يفوق 55 في المئة عن العام الماضي! وتلفت المصادر إلى أن هذا الارتفاع لا يعبّر إطلاقاً عن حاجة السوق المحلية إلى هذه المادة، بل يشير إلى تلاعب يقوم به التجار على حساب الخزينة العامة، وعلى حساب المواطنين... وتلفت المصادر إلى أن الحديث عن أزمة مازوت يدخل في إطار سعي التجار لزيادة الكميات المسلمة لهم عبر الضغط على الوزارة، لتحقيق هدف واحد هو زيادة الأرباح غير المشروعة.
وتشير المصادر إلى أن زيادة الحديث عن أزمة مازوت تعتبر مفاجئة، إذ ليس هناك أي شكاوى من المواطنين تؤشّر إلى انخفاض في حجم المازوت الموجود في السوق، أو انقطاع في هذه المادة في أي منطقة في لبنان. وتوضح أن الوزارة تعمل على إيجاد آلية تستورد من خلالها الدولة المازوت وتخزّنه لتكوين احتياط من هذه المادة في حال حصول أزمات معينة. إلا أن المشكلة تكمن في أن ترك هذا الموضوع للقطاع الخاص وتحرير الاستيراد قد يؤديان إلى انفلات الأسعار وتكوين كارتيلات تتحكم في مادة أساسية للمواطنين، وخصوصاً في فصل الشتاء، كما أن إجبار القطاع الخاص على تخزين كميات محددة غير مستساغ، لكون هذا الإجراء قد يوصل إلى خسائر في حال انخفاض الأسعار العالمية، فيما تكوين الدولة للاحتياط غير مضمون النتائج، بسبب تذبذب الأسعار كذلك. وتشدد المصادر على أن هذا الموضوع لا يزال قيد البحث.