كأن أحداث غزة الدامية في عام 2007 تتقمّص اليوم في قلقيلية، حيث سقط أربعة قتلى في اشتباكات بين القوات الأمنية وحركة «حماس» أمس. الاتهامات المتبادلة تسطع في الأجواء. أما الحوار فيبدو أنه أصبح ذكرى
غزة ــ قيس صفدي
مرة جديدة، كانت مدينة قلقيلية في الضفة الغربية أمس على موعد مع مواجهة مسلحة، هي الثانية خلال خمسة أيام، بين قوى الأمن الفلسطينية ومقاتلين من «كتائب عز الدين القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، سقط بنتيجتها أربعة قتلى.
ووجدت دعوة «حماس» إلى مقاتليها في الضفة الغربية بعدم الرضوخ إلى طلبات الاستسلام، صداها لدى ثلاثة من قادة ذراعها العسكرية رفضوا تسليم أنفسهم واشتبكوا لساعات مع قوة أمنية حاصرتهم داخل منزل في مدينة قلقيلية.
وقتل العنصر في جهاز الأمن الوقائي رياض زين الدين في بداية الاشتباكات العنيفة، قبل أن تحكم قوى الأمن سيطرتها على المنزل المحاصر وتتمكن من تصفية مقاتلي «كتائب القسام» الثلاثة وهم: محمد عطية وعلاء دياب وإياد الأبتلي. وفيما نعت «حماس» مقاوميها الثلاثة، قالت مصادر أمنية في الضفة إن دياب أصيب بجروح طفيفة وتم اعتقاله.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن شهود عيان في المدينة قولهم إن قوى الأمن أشركت وسطاء، لكنهم فشلوا في إقناع المقاومين الثلاثة بتسليم أنفسهم. وقال الشهود إن قوى الأمن ضخت كميات كبيرة من الغاز داخل المنزل، ما أدى إلى اختناق المتحصنين. بينما أوضح آخرون أنها «سكبت الماء في قبو داخل المنزل تحصّن فيه نشطاء حماس، ما أدى إلى مقتلهم غرقاً».
وقال المتحدث باسم الأجهزة الأمنية في الضفة، عدنان الضميري، في روايته للحادث: إن «قوى الأمن تحاصر ثلاثة ممن وصفهم بالخارجين عن القانون في بناية تقع في حي بنك فلسطين في الجهة الجنوبية الغربية لمدينة قلقيلية»، موضحاً أن اشتباكاً «وقع بين قوات الأمن ومسلحين بعدما أطلق المسلحون النار على دورية للأمن». وأشار إلى أن «المسلحين ألقوا قنابل يدوية وأطلقوا النار على أفراد الأمن، ما أدى إلى سقوط أحدهم وإصابة آخر بجراح طفيفة».
وأضاف الضميري أن «القتلى ينتمون إلى نفس الخلية التي تمت تصفيتها في مدينة قلقيلية يوم الأحد الماضي»، معتبراً أن «حماس تحاول نقل ما جرى في غزة إلى الضفة الغربية».
من جهته، أوضح محافظ قلقيلية ربيح الخندقجي أن «المسلحين يتحصّنون في سرداب داخل البناية المحاصرة»، مؤكداً أن «أحد أفراد الأمن سقط عندما وصل إلى مدخل هذا السرداب لأنه قوبل بإطلاق كثيف للنيران، وهذا ما دفع قوى الأمن إلى التراجع وأخذ مواقعها والبدء بالتعامل مع الحدث». وحمل «حماس المسؤولية عن أحداث قلقيلية واتهمها بمحاولة نقل واقع غزة إلى الضفة الغربية».
في المقابل، وصفت «حماس» تصفية مقاوميها بأنه «تصعيد خطير»، معتبرةً أن «تزامن العملية مع زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى المنطقة يشير إلى أن (الرئيس محمود) عباس يريد أن يوصِل رسالة بالتزاماته الأمنية تجاه الاحتلال الصهيوني».
وشدد القيادي في «حماس»، سامي أبو زهري، على أن «ما حدث في قلقيلية وما سبقه من جرائم لعب بالنار، ونحن أمام مرحلة جديدة في العلاقة مع الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية المحتلة»، مؤكداً «أن هذا الحدث الإجرامي سيكون له ما بعده من تطورات». وأضاف «نعتقد أن عباس بجريمته هذه قد داس كل جهود المصالحة».
كذلك حمل المتحدث باسم الحركة فوزي برهوم «عباس وفتح تحديداً مسؤولية جر الساحة الفلسطينية في الضفة الغربية إلى شلال دماء»، مشدداً على أن «استمرار العدوان الذي تقوم به أجهزة عباس وفتح على حماس يقضي تماماً على كل فرص استمرار الحوار أو إنجاحه».
ورأى برهوم أن «هذا الهجوم يوضح أن قوات عباس و(رئيس الحكومة الفلسطينية سلام) فياض وجهان لعملة واحدة، فلا فرق بين اليد الصهيونية التي تمعن قتلاً في أبنائنا واليد الفتحاوية التي تقوم بالمهمة نفسها». وأكد أن «الفصائل الفلسطينية التي لم تحسم مواقفها مما يجري من شلال الدم في الضفة ليست بمنأى عن بطش حركة فتح»، مشيراً إلى أن «تاريخ فتح في غزة والضفة ولبنان يؤكد دمويتها وعداءها للجميع». وتابع أن «مصر راعية الحوار لم تقم حتى اللحظة بالدور المطلوب للجم فتح، التي عمدت إلى تدمير كل الجهود المصرية التي بذلت في الحوار». وطالب «كل الفصائل والقيادة المصرية بأن يكون لها مواقف واضحة في وقف عدوان فتح على حماس وعلى المقاومة».
ووصف أمين سر كتلة «حماس» البرلمانية مشير المصري استمرار ملاحقة وحصار المقاومين بأنهما «خيانة واضحة وعمالة واستمرار في عقلية الإجرام». وفي تطور لافت، دعت الحركة الإسلامية من غزة إلى ثورة شعبية في الضفة الغربية ضد ممارسات الأجهزة الأمنية بحق المقاومة.
‏وفي السياق، قال الناطق الإعلامي باسم «القسام»، إن «هذه الجريمة ستؤدي إلى تطور الأمور بشكل غير مسبوق».