محمد بديراحتل الخطاب الأخير للرئيس الأميركي، باراك أوباما، كما كان متوقعاً، حيّز الصدارة في الصحف الإسرائيلية التي أفردت مساحات واسعة لتفسيره وتحليل أبعاده بالنسبة إلى الدولة العبرية عموماً، وإلى حكومة بنيامين نتنياهو على وجه الخصوص. ورأى محلل الشؤون السياسية في صحيفة «هآرتس»، ألوف بن، أن «خطاب القاهرة بالنسبة إلى إسرائيل، يعبّر عن تحول استراتيجي». تحوّل فسّره بن، بالتذكير أنّه في عهد الرئيس جورج بوش، كانت إسرائيل «الشريك الودي في الحرب على الإرهاب، وتمتعت بحرية عمل عسكرية ضد الفلسطينيين، وحزب الله وسوريا في مقابل إخلاء المستوطنات من غزة». أما في عهد أوباما، فبات على إسرائيل، بحسب ألوف بن، أن تجتاز «إعادة تربية»، وأن تقف من جديد في «اختبار الولاء» للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
ولاحظ المحلل الصحافي كيف أن أوباما «استخدم في القاهرة الأدبيات التابعة لليسار الليبرالي الأميركي، الذي نبت هو من صفوفه»، مشيراً إلى أنه تحدث من دون أن يتلعثم عن «الاحتلال»، وعن «التطلع الفلسطيني إلى الكرامة والفرص والدولة المستقلة»، متعهداً أن لا تدير واشنطن ظهرها للفلسطينيين. وتوقّف بن عند دعوة أوباما حركة «حماس» إلى «إبداء المسؤولية»، والاعتراف بحق وجود إسرائيل، «ولم يصفها بأنها منظمة إرهابية، بل حركة تتمتع بدعم شعبي».
وإذا رأى بن، أن نتنياهو «يقف في الجانب الخاطئ من خطاب أوباما»، اعتبر أنه «سيتعيّن عليه قريباً أن يلقي خطاب الرد على أوباما، وإعلان انعطافة تاريخية في أيديولوجيته وسياسته». لكنّ نتنياهو، وفق الكاتب نفسه، سيواصل التعلّق بأمل المعجزة التي تشطب «خطاب القاهرة» من جدول الأعمال، «وتغرقه في الرمال المتحركة للدبلوماسية الشرق أوسطية».
وفي الصحيفة نفسها، لفت كبير كتبة المقالات، يوآل ماركوس، إلى أن خطاب أوباما لم يكن مناورة، لأنّ «ما قاله في القاهرة قاله لبيبي قبل ذلك، وهو لم يقم بأية خطوة حتى الآن لا ينسجم فيها قوله مع فعله». وتابع ماركوس «بيبي ليس محظوظاً لأن أوباما هو رجل أسود، ومتألق وذكيّ في الوقت ذاته، ولا يزال في بداية ولايته ولديه كل الوقت اللازم لتحديد أولويات العمل، وزيادة على ذلك فإنه يتمتع بشعبية كبيرة».
ومن جهة أخرى، فإنه «لا توجد لدى بيبي حجة عدم وجود غالبية في إسرائيل تؤيد إخلاء البؤر الاستيطانية، بل لديه حزب كديما وبإمكانه تأليف حكومة واسعة، والتخلص من الجهات اليمينية المتطرفة في حكومته، وإذا لم يفهم ذلك فإن أوباما جعله يفهم» على حد تعبير ماركوس.
وفي «يديعوت أحرونوت»، كتب أطيلا شومبالبي ما مفاده أن خطاب أوباما «لم يدع مجالاً للشك في فهم الرياح الجديدة التي تهب من واشنطن: الولايات المتحدة تدعم إسرائيل، إلا أن عهد المراوغات والوعود والضم الزاحف (لمناطق) في الضفة الغربية قد ولى. حان وقت الشروع في التحرك نحو حل القضية الفلسطينية. وفي نظر أوباما، هناك حل واحد: دولة فلسطينية».
بدوره، أعرب مراسل «يديعوت» في واشنطن، يتسحاق بن حورين، عن ثقته بأن «التعليق المقتضب وغير التصادمي الذي صدر عن القدس في أعقاب خطاب أوباما، يدل على أنها قد تكون المرة الأولى التي يبدأ فيها نتنياهو بفهم حقائق الحياة». وبحسب بن حورين، فإنّ خطاب أوباما بمثابة «تسونامي»، حيث الدولة العبرية، في أحسن الأحوال، «أشبه براكب أمواج مفتول العضلات لكن لا يمكنه السباحة عكس الموج، بل مماشاتها حتى نقطة الانكسار».
وفيما «لم يتضمّن خطاب أوباما أيّ مفاجأة جديدة» برأي بن حورين، رأى أن «الشيء الأخير الذي يريد أن يسمعه الأميركيون من حليفتهم الثابتة (إسرائيل)، هو أن خطة الدولتين فكرة طفولية، وما إلى ذلك من ثرثرات أثارت قاطني البيت الأبيض». في المقابل، عنونت «معاريف» صفحتها الأولى بعبارة «عصر جديد»، كتب تحته المحلل السياسي فيها، بن كسبيت، أنّ «إسرائيل راقبت أوباما خائفة منكمشة في الزاوية، إذ لم يرتدع عن الحديث، من القاهرة، عن الصداقة غير القابلة للكسر بين إسرائيل وأميركا، ولكنه أوضح أيضاً أن مطالب واشنطن ليست قابلة للرفض».
كما توقّع كسبيت أنّ يضطر نتنياهو إلى اتخاذ قراره قريباً؛ فإما أن يقول «نعم لأوباما»، أو أن «يقول لا». وذهب كسبيت إلى حدّ اعتبار أنّه إذا كان نتنياهو راغباً في السير مع أوباما «ودخول التاريخ وإعطاء فرصة للسلام، فسيضطر إلى تغيير تركيبة ائتلافه، والتحول إلى قائد»، على غرار ما فعله من قبله مناحيم بيغن وأرييل شارون وإيهود أولمرت.
لكنّ كسبيت شكّك في أن يكون «بيبي» جاهزاً لمثل هذا التحدي، في ظلّ «تركيبته النفسية والأسرية». وختم تعليقه قائلاً «إذا كان (نتنياهو) يفضّل البقاء في زاويته، والدفاع عن المصالح الأمنية لدولة إسرائيل كما يراها، فأمامه فترة رئاسية صعبة ومرهقة وربما حتى أقصر مما هو مخطط لها». والعبرة تبقى وفق كسبيت: القرار على طاولة نتنياهو، والموعد النهائي هو بداية حزيران».