ذكرى هزيمة ١٩٦٧ وخسارة فريق كرة القدم ونجاح أول غزوة لأنفلونزا الخنازيروائل عبد الفتاح
الفتاة في مطعم في وسط القاهرة قالت «أصبحوا ١٣». لم يعرف روّاد المطعم ماذا تقصد بالرقم الذي يراه المصريون رمزاً للشؤم، وانتظروا التوضيح، فكان الخبر الذي أثار الوجوم والسخرية. إنها أنفلونزا الخنازير التي انتشرت في مدينة طلاب الجامعة الأميركية بالزمالك.
المدينة محاصرة والجنود يمنعون الجمهور والصحافة من الاقتراب. البداية كانت فتاتين مصابتين؟ الإعلان تم ليلة هزيمة منتخب كرة القدم من الجزائر. وبينما كان رجل ثلاثيني يتمتم «كما حدث في ٥ حزيران». قالها ببساطة كأنه يقرأ الغيب.
الرجل حاول بعد ذلك أن يبرر الحكم السريع على فضيحة كروية، تحدث عن خط سير المباراة، من سيطرة بلا فاعلية في الشوط الأول إلى انهيار تام، وهذا ما حدث في ١٩٦٧. كرر العبارة مرة أخرى وأتبعها بعبارة «هذه بالضبط عجائب النفسية المصرية».
صاحب هذه الآراء حاول أن يضع تصوراً شاملاً لما حدث في الجزائر. تصور يربط بين هزيمة عسكرية وهزيمة في ملاعب الرياضة، وخاصةً أن «نكسة» الجزائر الرياضية وقعت بعد أيام من الذكرى الثانية والأربعين للنكسة الحربية.
النخب المختلفة اهتمت بتوابع زيارة باراك أوباما. وبينما سخر صحافي، حضر اللقاء، قائلاً «ربما يكون الفيروس دخل القاهرة مع أوباما»، كان قرار إغلاق مدينة طلاب الجامعة وتعطيل الدراسة في الجماعة.
السخرية تلازمت مع الرعب تلازماً كبيراً، وكان سؤال «ماذا سيحدث؟» يتزامن مع تحليلات «إنه الفساد بالتأكيد، هناك من مرر الإصابة الأولى لأنها أميركية، وظلت في مصر ١٥ يوماً كاملة قبل الاكتشاف». هو «فساد دبلوماسي». وهناك من لاحظ سرعة انتشار الفيروس وارتفاع الإصابات ارتفاعاً ملحوظاً، وعلق متشائماً «إذا كانت هذه سرعة انتشار المرض في الطبقات العليا. فماذا سيحدث عندما يخترق الطبقات التي تعيش تحت تحت خط الفقر؟».
أما من أراد أن يسخر فقال «من أين أتت الأنفلونزا إذا كانت الحكومة أعدمت الخنازير؟» ولاقاه ساخر آخر بتعليق لاذع وقاس «إذاً لتصدر الحكومة قراراً بإعدام كل طلاب الجامعة الأميركية وتحويل المبنى والمدينة الجامعية إلى مقابر جماعية».
بدورهم، السياسيون انزعجوا وطالبوا بتشديد الحراسة على مناطق العزل، وعلق أحدهم «هذا هو الاستخدام الحقيقي لقانون الطوارئ». أما عشاق المدينة التي لا تنام، فقد أعدّوا خريطة بالأماكن الخطرة. وأصحاب نظرية المؤامرة اكتسبت كلماتهم نبرة حكمة وحقيقة موقنة. أنفلونزا الخنازير لعبة تثير الذعر لأغراض ما، أغلبها طبعاً لشركات الأدوية. لكن كيف يتم الفزع بهذه الطريقة، بينما تعلن وزارة الصحة أن أول حالة مكتشفة في المطار قد شفيت تماماً بعد استخدام عقار مصري؟
الحكومة أعلنت في الأيام الأولى من انتشار المرض في المكسيك أنه إذا وصل إلى مصر فإن الضحايا لن تقل أعدادهم عن ٧ ملايين، مع العلم بأن تقارير أكثر تشاؤماً تحدثت عن ١٨ مليوناً.
إذاً، الفزع يرتبط بفقدان الثقة في قدرة الأجهزة الحكومية على مواجهة الوباء، وإيمان المصريين بأن الفيروس لو استقر في مصر فستطول إقامته بفعل الإهمال والفساد.
المرض في مصر وبالنسبة إلى قطاع واسع هو أحد أعراض «الديكتاتورية» أو «فساد السلطة». ويعتبر البعض أن أنفلونزا الخنازير صرعة خفيفة بالنسبة إلى شعب يحمل ٩ ملايين من مواطنيه فيروس الالتهاب الكبدي.
هناك سبب آخر للفزع وهو عدم الثقة بأنه سيترك مساحة للعقلية العلمية. وهنا تلتقي «نكسات حزيران» المصرية.
هزيمة ١٩٦٧ والخسارة المهينة لفريق الكرة ونجاح أول غزوة لأنفلونزا الخنازير. وكما لم يهتم أحد بالتفكير في العقلية التي أدت إلى الهزيمة على خط النار، وكان الاكتفاء بحفلات الندب ولطم الخدود ولعن عبد الحكيم عامر، وعدم القدرة على تحمل تنحي جمال عبد الناصر، فإن هذا ما سيحدث في نكسة الجزائر الرياضية، سيلعنون المدرب حسن شحاتة ويشتمون اللاعبين المحترفين ويضعون الهزيمة على «شماعة» النجوم العجّز.
هذه أسباب كلها كانت موجودة في غانا 2008، لكن المنتخب المصري فاز بكأس أفريقيا للمرة الثانية. لماذا تحولت مزايا غانا إلى خطايا في الجزائر؟ هذا هو ما يحتاج إلى تفكير وتحليل لطريقة الإدارة المصرية.
الإدارة المصرية عادة لا تهتم بالبنايات العملاقة. تعتمد على نرجسية أصحاب الحضارات القديمة. والمصريون يعتقدون أنهم ورثة بناة أقدم حضارة في التاريخ، وهذه مشاعر مستقرة تتحول إلى جرح عند الهزيمة ومصدر فخر لحظة النصر، لكنها لا تصبح أبداً طريقة في البناء.
وهذا ما يجعل المصريين مثل الورثة يكتفون بالجلوس أمام التركة منفوخين بمشاعر الزهو. زهوٌ يمكنه أن يصبح شرارة لخط متواصل من النمو، ويمكنه أيضاً أن يتحول إلى لعنة تقود إلى النكسات المتوالية.
المصري يتعوّد بهده العقلية على العمل تحت الضغط. ضغط الدفاع عن الهيبة المفقودة. أو ضغط ضياع الفرصة. هنا يتجمع فيض من طاقات معطلة ومركونة يشحن بها المصريون أجهزتهم كلها لعبور المحنة. وقد تنجح نفسية عبور المحنة وتنتصر. لكنه انتصار مؤقت، لا يلغي الشعور الدائم بالهزيمة.
هل سيُهزم المصريون أم الوباء القاتل؟ هذا هو سر الفزع الحقيقي.

وقال الجبلي إن الاختبارات «أكدت إصابة خمسة طلاب آخرين». إلا أن الجامعة الأميركية أوضحت، في خطاب بعثت به إلى العاملين فيها، أن الإصابات الجديدة تعود لأربعة طلاب وعضو في هيئة التدريس، مشيرة إلى تمديدها الحجر الصحي على السكن الجامعي إلى الخامس عشر من الشهر الجاري.
(رويترز)