strong>نزاعات قبليّة تغذيها خلافات الخرطوم والحركة الشعبيّةفي ظل الصراع الدموي بين قبيلتي المسيرية والرزيقات وتصاعد حمّى الخلافات بين الشركاء في ولاية جنوب كردفان السودانية، يبدو أن اتفاق السلام الموقع عام 2005 لم يحمل سوى استقرار وهمي للولاية يتهدده الانهيار في أي لحظة

جمانة فرحات
تنذر الأوضاع المتفاقمة في ولاية جنوب كردفان السودانية، على خلفية المعارك القبلية الدامية، بأزمة إنسانية جديدة مشابهة للأزمة المتواصلة التي يعاني منها إقليم دارفور. فقد شهد الشهر الماضي مواجهات دامية بين مجموعتين من الرعاة في ولاية جنوب كردفان أدت إلى سقوط أكثر من 240 قتيلاً.
والولاية، التي أنشئت بموجب اتفاقية السلام الموقعة في نيفاشا عام 2005، وكانت مسرحاً رئيسياً للمعارك في حرب استمرت 22 عاماً بين الشمال والجنوب السوداني، تكتسب أهميتها الاستراتيجية من كونها متاخمة لعدد من أكثر المناطق حساسية في السودان، بما في ذلك منطقة غرب دارفور وجنوب السودان وبلدة أبيي المتنازع عليها بين الشمال والجنوب، وهي تضم كذلك حقول نفط رئيسية.
فبعد وجود ثلاث إدارات تتضمن حكومة كردفان الغربيّة، عاصمتها الفولة؛ وحكومة ولاية كردفان الجنوبيّة بقيادة حزب المؤتمر الوطني، عاصمتها كادقلي؛ ونواحي جبال النوبة التي تتخذ من كاودا وجلود مركزين لها، وتسيطر عليها الحركة الشعبيّة لتحرير السودان، جاءت اتفاقية السلام لتنص على توزيع غرب كردفان إلى شمال وجنوب وعلى أن تقوم حكومة تمثيليّة للولاية تضمّ الأنظمة الثلاثة.
وتتعايش في الولاية، التي تكافح لتتعافى من آثار الحرب المدمرة، مروحة واسعة من القبائل العربية، وفي مقدمتها قبائل المسيريّة والرزيقات والحوازمة مع القبائل الأفريقيّة المستوطنة، ولا سيّما قبائل النوبة. وغالباً ما تقع المعارك بين القبائل، وحتى في صفوف القبيلة الواحدة.
وفي هذا الإطار، تخوض قبيلتا الرزيقات والمسيرية ذات الأصول العربية نزاعات متكررة تدور حول الأرض والمرعى والمياه. وما فاقم هذه الصراعات تردي الأوضاع المناخية في تلك المنطقة التي تعاني من الجفاف والتصحر، ما يحد من فرص تمدد القبائل في المناطق النائية لتجبر على التحول إلى الاستيلاء على أراضي قبائل أخرى بحثاً عن الماء والكلأ للأعداد الكبيرة من الماشية التي تنمو بسرعة، والتي تشتهر بتربيتها هذه القبائل.
وتتخذ الصراعات طابعاً دموياً، إذ تشتهر قبيلتا الرزيقات (يتركز معقلها في جنوب شرق دارفور قرب جنوب كردفان) والمسيرية (يتكثف وجودها في غرب ولاية جنوب كردفان ودارفور) بامتلاكهما أسلحة متطورة. ويرجع البعض تسليح المسيرية والرزيقات إلى عام 1986 من حكومة الصادق المهدي بهدف مواجهة تمدد الحركة الشعبية لتحرير السودان. واستمر التسليح في عهد الرئيس عمر البشير، ما أسهم بصورة كبيرة في انفلات الأمن.
ويتخوف كل من المسؤولين في الجنوب والعاملين في منظمات إنسانية من أن المعارك الجديدة تسيء إلى عملية السلام الهشة وتستنزف الموارد، ما يؤجج أيضاً مشاعر الغضب، وخصوصاً أن السلطات لم تستطع تحسين الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية.
وفي خطوةٍ لافتة، اختار الرئيس السوداني، عمر البشير، تعيين المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية لاتهامات بجرائم حرب في دارفور أحمد هارون والياً على ولاية جنوب كردفان، ما أثار تساؤلات عدة ومخاوف كبيرة بشأن ما ستؤول إليه الأوضاع المتأزمة أصلاً فى الولاية، وبالتحديد منطقة أبيي المتنازع عليها بين حكومتي الشمال والجنوب، التي يتوقع أن تصدر محكمة العدل الدولية قراراً بحسم السلطة عليها خلال الأشهر المقبلة.
كذلك يحذر البعض من تطور الأوضاع في الولاية إلى ما يشبه أحداث إقليم دارفور، انطلاقاً من كون الاضطرابات التي تعاني منها الولاية تتشابه مع الأوضاع التي مرت بها دارفور قبل تفجر الأزمة بين الحكومة والمتمردين في عام 2003.
وفي هذا السياق، أصدر مبعوث الأمم المتحدة الخاص بالسودان، أشرف قاضي، تقريراً قبل أيام أعلن فيه أن معدل الوفيات في جنوب السودان خلال الأشهر الأخيرة فاق عدد الذين قتلوا في إقليم دارفور نتيجة النزاعات القبلية. وأشار إلى أن المعارك أدت إلى تدمير القرى وتهجير الآلاف مسببةً أزمة لاجئين جدد.
وتزامن تقرير القاضي مع مناشدة أطلقتها مقررة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في السودان، سيما سمر، تطلب فيها من جنوب السودان اتخاذ المزيد من التدابير لحماية المدنيين من الجماعات المسلحة ومن الاشتباكات الدموية بين القبائل. وشددت على أهمية أن تتضمن هذه التدابير نشر قوات الأمن في مناطق النزاع ونزع سلاح المدنيين، ومعاقبة المسؤولين عن هذه الهجمات. وحذرت من خطورة إفلات الجماعات المسلحة المتورطة من الجزاء، على اعتبار أن «العدالة التي توقع عقوبات مطلوبة مثلها مثل الحوار التقليدي لصنع السلام»، وخصوصاً أنه مع اقتراب السودان من موعد الانتخابات والاستفتاء على استقلال الجنوب تتضاعف احتمالات انفجار الأوضاع، ما يتطلب إيجاد الحلول الجذرية للنزاعات القبلية بالتزامن مع إطلاق عجلة التنمية في المنطقة للتخفيف من حدة الاحتقانات.