لم تنتظر إسرائيل طويلاً بعد خطوة السلطة الفلسطينية تسليم مطلبها إلى الأمم المتحدة بالانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، وخاصة أنه جاء على شاكلة الرد على رفض مجلس الأمن الموافقة على مشروع قرار فلسطيني بإنهاء الاحتلال في الضفة الغربية. إذ جاء الرد الإسرائيلي على مستويين، سياسي وعملي، ففي الأول أعلن رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، أن السلطة اختارت المواجهة مع إسرائيل، قائلاً: «لن نقف مكتوفي الأيدي، ولن نسمح بجر قادة وجنود الجيش إلى المحكمة الدولية في لاهاي».
أيضاً اعتبر نتنياهو أن «من يجب أن يُقاضى ويحاسب هم قادة السلطة الذين تحالفوا مع مجرمي الحرب الحمساويين».
على المستوى العملي، بادرت إسرائيل إلى رد أولي في سياق سلسلة ردود متوقعة، وهو تجميد تحويل ضرائب بقيمة نحو 100 مليون يورو تم جبيها لمصلحة السلطة عن شهر كانون الأول الماضي. وكان يجب تحويلها يوم الجمعة الماضي، علماً بأنه منذ اتفاقات أوسلو 1993، تجمع إسرائيل لحساب السلطة ضرائب شهرية تشكل تقريباً نصف الموازنة الفلسطينية.
وتحاول السلطة تأكيد أنه من ضمن نتائج قبولها عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، بات بإمكانها الانضمام إلى المنظمات الدولية؛ ومن بينها المحكمة الجنائية، وبعبارة أخرى تقديم شكاوى ضد إسرائيل بتهم ارتكاب جرائم حرب.
ويبدو أن الرد الإسرائيلي يأتي ضمن سلسلة ردود، وهو ما أشارت إليه صحيفة «هآرتس» التي نقلت عن مسؤول إسرائيلي رفيع قوله، إن «الرد الجدي والواسع سيأتي في وقت لاحق»، فضلاً عن مرحلة هجوم في الساحة الدولية.
يرتقب كذلك أن يعقد لقاء لطواقم متعددة من وزارات مختلفة بهدف البحث في العقوبات على السلطة، على أن يجتمع المجلس الوزاري المصغر في وقت لاحق لإقرار النتائج. مع ذلك، نقلت «يديعوت أحرونوت» عن مسؤولين رفيعين في الخارجية الإسرائيلية، أن تل أبيب لن تستطيع تجميد الأموال لمدة طويلة، لأنها تعود للفلسطينيين، وهي خطوة إشكالية ستجر انتقادات دولية، كما أن «تجميد الأموال سيؤدي إلى انهيار السلطة وتعزيز حماس».
«الحكومة لا تنوي الاكتفاء بالضغط الاقتصادي»، تقول «يديعوت»، إذ «أكدت مصادر سياسية رفيعة أن لدى إسرائيل خطوات رد تناسبية مع كل خطوة فلسطينية». ضمن هذا الإطار، تدرس خيارات تقديم دعاوى على مسؤولين فلسطينيين بارتكاب جرائم حرب في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، من جهات مؤيدة لإسرائيل. وأوضح المصدر نفسه أن «أبو مازن (محمود عباس) بات على مهدافنا، ولكن ليس هو فقط».
تواصلت السلطة مع
عمان والقاهرة لبحث
الخطوات المقبلة

مباشرة، وصف كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، القرار الإسرائيلي بأنه «جريمة حرب»، قائلا إن «رام الله لن تتنازل أمام الضغوط الإسرائيلية، وسنجتمع خلال أيام للرد على تجميد إسرائيل أموال الضرائب». وأضاف عريقات، في حديث إذاعي، إنهم قد يتخذون «قراراً بتحمل إسرائيل مسؤولياتها كسلطة احتلال»، في إشارة إلى حل السلطة الفلسطينية.
رغم ذلك، ليست هذه المرة الأولى التي تهدد فيها السلطة بحل نفسها، وكذلك ليست المرة الأولى التي توقف فيها إسرائيل تحويل الضرائب وتثير أزمة في تسليم رواتب الموظفين الفلسطينيين. ومع أن رام الله حاولت منذ شهور طويلة العمل على تفعيل شبكة الأمان العربية لمواجهة الضغوط الإسرائيلية مالياً، فإن جامعة الدول العربية لم تعط أي رد على تعهد عواصم بشبكة أمان تبلغ قيمتها نحو 100 مليون دولار أميركي، شهرياً، في حال تعرض السلطة لأزمة مالية خانقة.
وقالت «هآرتس» إن الحكومة الإسرائيلية قررت تجميد تحويل 125 مليون دولار عن الشهر الماضي، فيما تبلغ إيرادات المقاصة الشهرية بمتوسط نحو 175 مليون دولار شهرياً تغطي 170 مليوناً هي رواتب السلطة.
وفي ما يتعلق بالمفاعيل السياسية والانتخابية لهذا المسار القانوني والسياسي، رأى وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، أن سياسة الحفاظ على الوضع القائم بأي ثمن انهارت. وقال، خلال مشاركته في مؤتمر سفراء إسرائيل في الدول الأوروبية، إن الخطوة الإسرائيلية المطلوبة مقابل الخطوات الفلسطينية تتمثل في «إيجاد مبادرة إسرائيلية تحافظ على مصالحنا». وتوقف ليبرمان عند تصويت دول أوروبية وامتناع أخرى في مجلس الأمن، مؤكداً ضرورة توجه السياسة الخارجية الإسرائيلية نحو هذه الدول والاتحاد الأوروبي، وليس صوب الفلسطينيين والدول العربية. وأضاف: «اتفاقات أوسلو انهارت، وعلى إسرائيل التفكير في البدائل لليوم التالي».
على خط مواز، جرت في الأيام الماضية، محادثات بين مسؤولين في مكتب نتنياهو ونظراء أميركيين بهدف تنسيق ردود الفعل تجاه السلطة. ووفق مصدر إسرائيلي، توجهت تل أبيب بطلب رسمي للولايات المتحدة كي توضح للسلطة أنها في حال استمرت في خيارها بالتوجه إلى المحكمة الجنائية في لاهاي، وقدمت دعاوى ضد إسرائيل، ستخسر الدعم المالي الأميركي الذي يصل إلى 400 مليون دولار سنوياً. وهكذا تكون إسرائيل قد أحكمت الطوق المالي حول السلطة، عبر تجميد تحويل الضرائب، والطلب من واشنطن وقف دعمها المالي.
في الجانب العربي، اجتمع رئيس الوزراء الفلسطيني، رامي الحمدالله، أمس، مع نظيره الأردني، عبد الله النسور، في العاصمة عمان. وأعلن الحمدالله أن أي خطوات من الجانب الفلسطيني بخصوص إنهاء الاحتلال، ستجري بالتشاور مع الأردن، مشيراً إلى أن السلطة تأمل من الأردن الضغط لإيقاف قرار تجميد الأموال. كذلك بحث وزير الخارجية المصري، سامح شكري، مع رئيس السلطة، محمود عباس، وكبير المفاوضين، صائب عريقات، كل على حدة، «تطورات الوضع» بعد رفض مجلس الأمن مشروع القرار الفلسطيني ـ العربي.