يتلخّص «التحوّل» الذي أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أول من أمس، بأنه قرّر منح «الحكم الذاتي» الفلسطيني، الذي يؤيّد إقامته أصلاً، لقب «الدولة»
محمد بدير
عندما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون موقفه المؤيّد لإقامة دولة فلسطينية في خطابه الشهير الذي ألقاه في منطقة «اللطرون» عام 2001، ثارت ثائرة اليمين الإسرائيلي الذي اتهمه بخيانة تاريخه ومبادئه. ردّ شارون على هذه الحملة كان بسيطاً: جزم بأنّ الكيان الفلسطيني الذي يؤيّد قيامه رهنٌ بشروطٍ حدّدها ضمن رؤيته للتسوية النهائية، وإذا لُبّيت هذه الشروط، فليُسمِّ الفلسطينيون كيانهم ما يشاؤون، حتى لو أطلقوا عليه «إمبراطورية».
موقفٌ مشابهٌٌ أعلنه الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز حين كان لا يزال قطباً فاعلاً في الحلبة السياسية الحزبية. قال إن الدولة الفلسطينية التي يوافق عليها مشروطة بمحدداتٍ إسرائيلية، وبإمكان الفلسطينيين أن يطلقوا عليها إذا شاؤوا «الولايات المتحدة الفلسطينية».
اعتمد إيهود باراك المنحى نفسه حين نافس على رئاسة الحكومة في انتخابات عام 1999. ثمّ كشف نتنياهو نفسه، بعيد لقائه الرئيس الأميركي باراك أوباما، الشهر الماضي، أنه قال للأخير إن الإصطلاح (Terminology) في تسمية الكيان الفلسطيني لن يمثّل عائقاً بعد الاتفاق على مضمون هذا الكيان. وفي خطابه، أول من أمس، أوضح «بيبي» رؤيته لمضمون هذا الكيان: ـــــ أن يكون منزوع السلاح، ـــــ لا جيش فيه، ـــــ ممنوع من عقد التحالفات مع أعداء إسرائيل، ـــــ لا يملك حق السيادة على مجاله الجوي، ومقيّدٌ بترتيبات أمنية تتعلق بالسيطرة على الحدود. وقبل كل ذلك، لا بد لقيامه من أن يمرّ باعتراف الفلسطينيين بيهودية إسرائيل، من خلال تنازلهم عن حق العودة وعن القدس عاصمةً.
نتنياهو، المعروف بأنه يؤيّد منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً، قرر التسامح في تسمية هذا الحكم «دولة»، متجاوزاً بذلك حواجز نفسية وسياسية راسخة وسط اليمين الصهيوني الذي ينتمي إليه، وهي حواجز كان هو مِن أبرز مَن كرّسها في أدبياته السابقة الرافضة بشدة لفكرة الدولة الفلسطينية.
الواضح أنّ ما جعل نتنياهو يعتقد أن القيام بهذا «التحوّل» أمر لا بد منه، هو الضغط الأميركي المباشر الذي اتخذ طابعاً حادّاً في المواقف المعلنة لأوباما وأركان إدارته. والمؤكد أن خطابه أُعدّ في الأساس ليلقى استسحان الأذن الأميركية، قبل أي شيء آخر. ويمكن القول إن نتنياهو نجح في تحقيق هذا الهدف، ولو مرحلياً، في ظل رد الفعل الأميركي الذي وصف الخطاب بـ«الخطوة المهمة إلى الأمام».
بيد أن الأهم من ذلك هو أن هذا النجاح لم يكلف رئيس الوزراء الإسرائيلي ثمناً سياسياً على صعيد ائتلافه الحكومي اليميني، ما عدا بعض التحفظات «البروتوكولية» المتوقعة. حتى إنّ الخطاب نال إشاداتٍ من اليسار، قد تمهّد لإعادة تعويم فكرة «حكومة الوحدة الوطنية» عبر انضمام «كديما» إلى الائتلاف الحاكم، وخصوصاً أن رفضه هذا الأمر في الماضي استند أساساً إلى معارضة نتنياهو لـ«حل الدولتين».
أما في المقلب الفلسطيني، فقد رمى «بيبي» الكرة في ملعب الخصم، مع إدراك مسبق باستحالة الاستجابة الفلسطينية لرؤيته السياسية. وهو من وراء ذلك يهدف إلى إجراء إعادة تموضع تخرجه من زاوية المتهم برفض السلام، إلى موقع المبادر إليه. موقف أعطى الرجل زخماً إضافياً عبر إظهاره الاستعداد للقاء الزعماء العرب في عواصمهم، علماً بأنه تجاهل كلياً الإشارة إلى المبادرة العربية التي تجسّد تصوّر هؤلاء للسلام.
كلّ ذلك، مضافاً إليه الإشارة إلى النزعة اليمينية الخالصة التي تميّز بها الخطاب من أوّله إلى آخره، يُظهر أن السلام والعملية السياسية المتصلة به كانا في أسفل قائمة الاعتبارات التي حرّر نتنياهو خطابه ربطاً بها. فهو، في نهاية المطاف، يملك عينين اثنتين، أولاهما كانت على واشنطن، والثانية على ائتلافه الحكومي. أما العرب، فالواضح أنه فضّل إعطاءهم ظهره.