ريف دمشق | بعد اليوم، لم تعد مدينة دوما مسرحاً للاشتباكات اليومية بين أكبر فصيلين مسلحين فيها. بعد التسريبات المتكررة حول عزم قادة «جيش الأمة» على مهاجمة مواقع عسكرية تابعة لـ«جبهة النصرة» في الغوطة الشرقية، وجدت الأخيرة أن تحالفاً مرحلياً مع عدو الأمس، قائد تنظيم «جيش الإسلام» زهران علوش، يغدو ضرورةً موضوعية للتخلص من الخطر المشترك الماثل بتصاعد نفوذ «الأمة» بين الفصائل المسلحة الصغيرة نسبياً وغير الراغبة في التحاقٍ ذيلي بركب الفصائل الكبرى.
«الآن، أدعو لإخوانكم مجاهدي جيش الإسلام بالنصر والتمكين... رب انصرني على القوم المفسدين». بهذه الكلمات، اختار قائد «جيش الإسلام»، زهران علوش، إطلاق شارة البدء بعملية «تطهير البلاد من رجس الفساد». فبالتوازي مع «تغريدة التويتر»، انطلقت في الخامسة والنصف من فجر أمس عمليات الاقتحام والمداهمة التي نفذها مقاتلو علوش ضد مقار «الأمة» جنوبي دوما. على الاثر، أصدر «جيش الإسلام» قراراً بمنع التجوال في كافة أرجاء المنطقة. «عبر مكبرات صوت الجوامع، طلب مقاتلو جيش الإسلام من الناس عدم التجوال في المدينة بتاتاً، بعد ذلك تلي بيان أعلن فيه اعتقال قائد تنظيم الأمة أبو صبحي طه، ومدير مكتبه الإعلامي، ومقتل ابنه الأكبر، وهو أحد القادة الميدانيين في التنظيم، فضلاً عن اعتقال عدد واسع من قياداته»، تقول مصادر من داخل المدينة، في حديثٍ إلى «الأخبار»، وتضيف: «دعا المقاتلون مقاتلي جيش الأمة في كل مكان إلى تسليم أنفسهم، وتسوية أوضاعهم».
خلال ساعة من التحرك، انقلبت مدينة دوما إلى ساحة انفجاراتٍ وقتالٍ عنيف، لم تلبث بعده أن انهارت قوى «جيش الأمة» في أرجاء المدينة، ما أدى إلى استسلام عدد كبير من مقاتلي التنظيم وتسليم أنفسهم لمقاتلي علوش، بعدما سقطت المقار العسكرية الأربعة التابعة للتنظيم، فيما كانت أعداد المدنيين الضحايا تزداد باطِّراد نتيجةً للمعارك والانفجارات التي شهدتها دوما على طول الساعات الخمس.
«الحر»: نعتبر أن جيش الإسلام وشركاءه في الحرب هم شركاء للنظام

وفي وقتٍ كشف فيه المتحدث العسكري باسم «جيش الإسلام»، النقيب المنشق إسلام علوش، عبر تغريدة على موقع «تويتر»، أن التنظيم سيبادر إلى إعلان اعترافات قادة «جيش الأمة» المعتقلين لديه خلال الأيام القليلة القادمة، علمت «الأخبار» من مصادر مقربة من التنظيم أن القادة المعتقلين هم «أبو خالد وأبو هاشم الأجوة، وأبو محمد مياسا وأبو الفوز العوا»، وهم من كبار القادة الميدانيين في التنظيم ومسؤولي عملياته على الجبهة الجنوبية لدوما. وعلى طول المواجهات، برز دور «جبهة النصرة» في المرابطة خارج حدود دوما إلى الجنوب، لقتال ما تبقّى من مقاتلي «الأمة» القادمين من مسرابا ومديرا لمساندة قواتهم المتراجعة داخل دوما.

علوش يذهب بعيداً...

بعد انتهاء عملية «تطهير البلاد من رجس الفساد» في تمام الساعة 10:30 صباحاً، توجَّه قائد «جيش الإسلام»، زهران علوش، إلى مقاتليه بالقول: «الشكر موصول لكل قادة ومجاهدي جيش الإسلام الذين سهروا ليلتهم ثم صبَّحوا المفسدين بضربة من حديد قضت عليهم... فاعتبِروا أيها المفسدون». لم يكن الصدى الإعلامي للمعركة قد انتهى بعد، عندما بادر علوش إلى «تغريدة» أخرى، أعلن خلالها «إسقاط طائرتين حربيتين من طراز ميغ 23 وسوخوي 24» تابعتين للجيش السوري، وهو ما استدعى موجة واسعة من التهكم في أوساط المدنيين داخل مدينة دوما، على اعتبار أن أحداً من أهالي المنطقة لم يشاهد سقوط طائرات، إضافة إلى غيابٍ تام لأي صور أو مقاطع مصوَّرة تسجل الحدث، على عكس عادة التنظيم.

«الحرّ» يتوعّد «جيش الإسلام»

رأت «الجبهة الجنوبية» في «الجيش السوري الحر» أنّ الاعتداء على «جيش الأمة» اعتداء على تشكيلات الجبهة كافة. وقالت، في بيان مساء أمس، «إننا لن نقف مكتوفي الأيدي في مواجهة الهجمة الغادرة التي يتعرض لها جيش الأمة في الغوطة الشرقية».
وأضاف البيان: «لقد كان أولى بالسلاح والذخائر المخبأة منذ زمن طويل للحرب على التشكيلات العسكرية الوطنية أن تذهب لفك الحصار عن الغوطة الشرقية ولتحرير ما تبقى منها، لا أن تكون شريكاً للنظام في حصار الغوطة الشرقية وفي الحرب علينا».
وجاء في البيان: «إننا نعتبر أن جيش الإسلام وشركاءه في الحرب على الجبهة الجنوبية هم شركاء للنظام، وإن ردنا على هذه الحرب سيكون واسعاً وشاملاً في جميع مناطق تواجد تشكيلات الجبهة الجنوبية ما لم تتوقف هذه العملية العسكرية فوراً».