في آخر جلسة لمجلس الوزراء، قبل أن يتحول إلى تصريف الأعمال، انفجرت الأزمة بين الوزير ألان طابوريان والرئيس فؤاد السنيورة، فالأخير كان يرفض منذ 6 أشهر وضع خطة الكهرباء على جدول أعمال مجلس الوزراء، وارتكب مخالفات دستورية عدّة... محمد وهبة
منذ 6 أشهر يحاول وزير الطاقة ألان طابوريان إدراج خطته لمعالجة أوضاع الكهرباء على جدول أعمال مجلس الوزراء، ولكنه كان يصطدم مرّات عدّة بحواجز وضعها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة عن سبق إصرار وتعمد... حتى انفجر هذا الأمر في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة على شكل مشادّة كلاميّة بين طابوريان والسنيورة بعدما انفعل الأخير غاضباً لأن الوزير المختص كشف أمام زملائه أن رئيس الحكومة لم يسانده بل عمل كل شيء ليعرقل عمله.
القصة بتفاصيلها، رواها أمس طابوريان في مؤتمر صحافي موضحاً خلفيات ما جرى، فأشار إلى أن السنيورة لم يطلعه يوماً على سبب رفض إدراج الخطة على جدول أعمال مجلس الوزراء، وذلك على الرغم من كون ملف الكهرباء يتّسم بطابع «الإلحاح» بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج والقصور عن تغطية الطلب المتزايد، أي زيادة ساعات التقنين على المستهلك، وارتفاع العجز. وبحسب مضمون المراسلات بين طابوريان والأمانة العامة لمجلس الوزارء، يتبيّن أن السنيورة لم يبال بما قاله طابوريان عن «تدني معدلات التغذية بالتيار الكهربائي إلى ما دون 12 ساعة في السنوات القليلة المقبلة»، وعندما أصرّ طابوريان على طرح الملف الملحّ، بدأ السنيورة بسلسلة مخالفات دستورية بهدف «قمعه»، إذ طلب إلى بعثة فنية من الصندوق العربي متخصصة في شؤون الطاقة والمياه المجيء إلى لبنان لتقويم مشاريع معروضة عليها للتمويل وإعداد تقرير مفصّل وإبداء رأيها الفني واقتراحاتها، وهذا يمثّل مخالفة للمادة 64 من الدستور التي تحدّد صلاحيات رئيس الوزراء، كما أنه تجاوز صلاحيات الوزير المنصوص عنها في المادة 66. كما أن مصادر التمويل المحلية والعربية والدولية ليست مرجعاً قانونياً صالحاً «لتقويم المشاريع التي يعرضها الوزراء على مجلس الوزراء»، وهذا محدّد في المادة 3 من المرسوم رقم 2552 المتعلق بتنظيم أعمال مجلس الوزراء.
لم يتوقف مسلسل مخالفات السنيورة بعد، إذ أوعز إلى مجلس الإنماء والإعمار بتوقيع اتفاقية مع البعثة المذكورة تتعلق بقطاعي الكهرباء والمياه من دون علم الوزير المختص وحضوره، وبطريقة معاكسة لمضمون مباحثاته مع البعثة. كما طلب من البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية مستندات، ووجّه إليهما رسائل من دون علم الوزير المختص أيضاً، وأرسل أخيراً رسالة إلى البنك الدولي يبلغه فيها أن وزير الطاقة لا يمثل سياسة الحكومة، وهذه مخالفة موصوفة لنص الدستور اللبناني.
هذه الوقائع التي جرت بين شهري شباط وآذار، اختتمها السنيورة بتوجيه «إهانة» مقصودة إلى طابوريان، إذ كلّف الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي (وهو موظّف يجدر ألّا يخاطب الوزير مباشرة في أمور تتصل بمهمّاته في وزارته أو في مجلس الوزراء) في أول نيسان كتاباً يعيد خطّة طابوريان ويقول إن رئاسة الوزراء ترى أن «هذا الكتاب عديم الوجود ولا يمثّل المستند الرسمي الذي يمكن الاعتداد به بما يفترض أن يتضمنه من وجهة نظر أو اقتراحات يرفعها وزير يتقيّد باحترام الأصول ويُدرك حجم المسؤولية العامة التي يتولاها»، والخطير في كتاب بوجي أنه يوجّه تنبيهاً إلى الوزير طابوريان، إذ جاء ما حرفيته: «يأسف رئيس الوزراء، لاضطراره إلى تنبيهكم إلى وجوب أن يحافظ الوزير في معرض مشاركته في إدارة الشؤون العامة، على الرصانة والحس بالمسؤولية»، والأغرب يدعو الكتاب طابوريان إلى «احترام أحكام الدستور»(!)
والمعروف أن رئيس مجلس الوزراء ليس رئيساً للوزراء، وهناك فرق كبير بين هذا وذاك، ولا توجد أي قاعدة دستورية أو قانونية يمكن الاستناد إليها لتوجيه تنبيه إلى وزير في أمور تتعلق بصلاحياته في وزارته وعبر موظّف.
في هذا الوقت كان طابوريان قد أطلع رئيس الجمهورية ميشال سليمان على كل ما يتعلق بهذه القضية، وعلى الأوراق والمراسلات، واستجاب لطلبه بعدم تصعيد الموقف بانتظار إيجاد حلّ، إلا أن ذلك لم يحصل، ما دفع برئيس الجمهورية إلى الطلب من طابوريان سلوك الدرب القانوني للرد على مخالفة السنيورة، فآثر طابوريان عدم إثارة المشكلة في الإعلام حتى لا تضيع الخطّة في معمعة الانتخابات، موضحاً «لقد وضعت مسألة الشرف جانباً في سبيل المصلحة العامة».
وقبل أيام، كان اتفاق قد أُنجز بإشراف رئيس الجمهورية يقضي بأن «أضع تفسيراً شفهياً لخلفيات ما حصل، وأوافق على شراء مولّدات بقدرة 300 ميغاوات تموَّل بإصدار سندات دين بقيمة 500 مليون دولار»... وقال «رفضت في البدء لأن هذه المولّدات لا تمثّل إلا تفصيلاً صغيراً من الاستراتيجية التي وضعتها، وطالبت بأن أطرح الاستراتيجية بمجملها خطّياً، إلا أن رئيس الجمهورية طلب أن أمرّر الأمر فوافقت». وبدأت الجلسة، وفتح رئيس الجمهورية الباب لعرض الموضوع شفهياً، إلا أن السنيورة «اعترض على توزيع «تنبيه» بوجي على الوزراء، وطلب سحب الملف، فاستجاب الرئيس للأمر».
ومن غير الواضح حتى هذه اللحظة، «لماذا رفض السنيورة عرض الخطّة أو حتى مناقشتها في مجلس يملك فيه الأكثرية»، فهي واضحة، وتتضمن شراء مولّدات على المدى القصير كحلّ للأزمة التي ستنفجر خلال سنوات، وإنجاز معامل على المدى الطويل تكون ذات بعد استراتيجي وتأخذ بالاعتبار تنوّع مصادر الطاقة الأجدى لإنتاج الكهرباء بأوفر كلفة (غاز، فحم حجري، فيول أويل...)، لكن معلومات «الأخبار» تشير إلى أن لدى السنيورة خطة أخرى، إذ كان يعتزم تكليف القطاع الخاص إنشاء معمل توليد كهرباء يعمل على الغاز في البداوي ليبيع الدولة الكهرباء.