لم تعد سنبلة القمح تطعم المزارع البقاعي «خبزاً»، فقد داهم هذا الموسم مرض «اليباس البكّيري»، وفيما تغيب وزارة الزارعة عن هذه الأزمة، يقع المزارعون تحت وطأة التقارير المتضاربة للخبراء. والنتيجة، يباس حوالى ثلث المساحات المزروعة قمحاً في سهل البقاع!
البقاع ــ أسامة القادري
سهل البقاع الذي كان يُعرف بإهراءات روما، أصبح اليوم عرضة للخسائر المتتالية التي تلاحق مزارعيه، إما نتيجة الحروب أو العوامل الطبيعية أو بسبب وقوع المزارعين تحت قبضة تجار الأسمدة، وفي ظل الأزمات المتتالية، تبقى عيون المزارعين على المتغيرات السياسية للحكومات المتعاقبة... فهذا العام لم تتقلص المساحات المزروعة قمحاً في البقاع، لأن الحكومة اللبنانية وعدت المزارعين باستلام المحاصيل منهم، لذا تقدر المساحات المزروعة في سهول البقاع الأوسط والغربي والشمالي بحوالى 135 ألف دونم من القمح، ويجمع المزارعون أن كلفة الدونم الواحد 300 دولار أميركي، وينتج ما بين الـ500 والـ700 كيلو من القمح، على أن يسلم الكيلوغرام الواحد إلى الدولة اللبنانية بـ475 ليرة...
وخسارة مزارعي القمح لهذا لموسم لم تأت هذه المرة من قلة الأمطار كما حصل في العام السابق، بل داهمهم مرض من نوع جديد لم يعهده المزارعون من قبل، فأطلقوا عليه تسمية «اليباس البكيري» أي يباس نبتة القمح قبل أوان حصادها. وأكل هذا المرض ثلث المساحات المزروعة، فيما تضاربت تقارير المهندسين والخبراء الزراعيين الذين كلفوا من بعض المزارعين، في تحديد السبب، ورجحت تقاريرهم أنه جاء نتيجة الضعف في خصوبة الأرض، ما يأتي على جذع النبتة ويؤدي إلى يباسها قبل نضوج حبة القمح داخل السنبلة. أما الترجيحات الأخرى التي يؤكدها المزارعون، فهي أنه بسبب نوعية الأسمدة والأدوية التي تستعمل من دون أي إرشاد زراعي موجه من وزارتي الزراعة والاقتصاد، لأن هذه الزراعة يُفترض أنها مدعومة من الحكومة اللبنانية.
خسائر كبيرة
يعتبر المزارعون أن الأسمدة «المستوردة من الصين وإيران ودول أخرى عبر تجار من دون أن تلحظ المواصفات المطلوبة للتربة اللبنانية والبقاعية خصوصاً»، تؤدي إلى «حرق» جذور النبتة، وخاصة أن هذا العام شهدت الأرض في شهري نيسان وأيار غزارة في المطر. أي في الفترة التي كان المزارعون «يسمّدون» الأرض. «فاستحكمت الأسمدة والنترات في تشويه النبتة. وجعلها ضعيفة وغير قادرة على أن تحمل من السنبلة إلا شكلها الخارجي فقط ولكنها فارغة من حبة الحنطة».
ويشير المزارع خالد شومان وهو يفرك السنبلة اليابسة بين يديه ليؤكد أنها لا تنفع إلا تبناً للمواشي. يتابع «من أصل 600 دونم خسرت 200 دونم، ما يعني خسارتي 60 ألف دولار، عدا تعبنا». ثم يشرح شومان بما أفاده به المهندسون الزراعيون، الذين كلفهم لمعرفة نوعية هذا المرض الجديد. والذين لم يجمعوا على تقرير واحد يؤكد الأسباب. منهم من يؤكد أن السبب ضعف في خصوبة الأرض ومنهم من يقول إن السبب نوعية السماد الذي يعتمد، وهذا ما يجمع عليه المزارعون. ثم يضيف شومان مؤكداً «هذه قطعة أرض حجمها 40 دونماً خسرنا منها حوالى 13 دونماً. مش معقول تكون من الأرض لأنها مفلح واحد. الحقيقة من الأدوية والسماد التجاري الذي أصبح تراباً أكثر ما هو سماد». لا يختلف حال طانيوس مارون عن حال بقية المزارعين، إذ يشدد على تقصير الدولة بحق المزارع. متسائلاً عن إحجام الدولة منذ أربع سنوات، في رشها المبيدات للبكتيريا التي تضرب المزروعات، وخاصة القمح. «كانت الدولة من خمس سنوات ترش بواسطة طائرات الجيش اللبناني، وكانت تنفعنا هذه العملية.. منذ شهر تقريباً وصلنا بلاغ أن نبعد المواشي والنحل عن المزروعات لأن طائرات الجيش سترش الزرع. وحتى اليوم ما شفنا حدا إجا وسأل». ثم يتابع مطالباً الدولة بأن ترسل لجنة للكشف عن هذا المرض قبل الحصاد وتحديد الأسباب، كما طالب، كباقي المزارعين، بأن تكون الدولة هي المشرفة على استيراد السماد والأدوية الزراعية من الخارج بناءً على المواصفات التي يحددها الخبراء والمهندسون الزراعيون المكلفون من الدولة. إضافة إلى تقدير الخسائر والتعويض عليهم.
أين الإرشاد الزراعي؟
بدوره توقع رئيس نقابة الفلاحين في البقاع إبراهيم الترشيشي أن يكون محصول الإنتاج اللبناني من القمح 60 ألف طن. وقال إنه يفترض على وزارة الاقتصاد أن ترسل لجان قيد لتهيئة الحواصل، «لأننا خلال أيام سنبدأ بالحصيدة». وأسف لأنه لم ير أي حركة من الوزارة تبشر بأنها ستستلم المحصول. أما في ما يخص المرض الذي داهم موسم القمح فقال الترشيشي «إن هذه الأمراض التي يواجهها القمح هي بسبب الأمطار الغزيرة التي هطلت، ما أدى إلى فيضانات في سهول القمح، وساهم في ضررها. وخاصة أنه لحقتها موجة صقيع».
ولم ينف الترشيشي أن يكون للأدوية المخصصة لإزالة الأعشاب، التي يستعملها المزارعون، عامل ضرر لأنها تستعمل من دون أي إرشاد زراعي. أما في ما يخص السماد فقال الترشيشي «أستبعد أن يكون السماد عاملاً من عوامل الضرر واليباس البكيري الذي قضى على القمح، لأن القمح لا يتطلب سماداً، وإذا وجد لا يضر بل ينفع لأن القمح بطبيعة الحال ينضج وينبت من دون أية إضافات». كما طالب بأن تكون الدولة هي الجهة المشرفة على استيراد السماد والأدوية ضمن المواصفات المطلوبة. وأشار إلى أن كلفة الزراعة بدأت بالارتفاع لما يواجهه المزارع من احتكار أصحاب المحطات للوقود، وخاصة مادة المازوت التي تشهد ارتفاعاً ضخماً في أسعارها «إذ يتم احتكارها منذ أسابيع على الرغم من حاجة المزارع لها من أجل الري».