لم يعد فلسطينيو القدس الشرقية مخيَّرين بين هدم منازلهم أو اللاهدم، بل باتوا يسألون: من سينفذ عملية الهدم؟ البعض اختار أن يزيل بيته بنفسه، بعدما أجبرتهم السلطات الإسرائيلية على دفع التكاليف التي تصل إلى 25 ألف دولار.وبدت فاطمة غصن كأنها اعتادت الأخبار السيئة. إلاّ أن الوضع صار يتخطى مجرد الخبر. أمرت إسرائيل فاطمة بهدم منزلها الكائن في القدس الشرقية، لا بل طلبت منها دفع تكاليف عملية الهدم، ما دفع بهذه الأم لأربعة أبناء، إلى أن تختار هدم منزلها بنفسها.
تقف فاطمة على ما بقي من شرفة منزلها وتقول: «لقد أتوا في السابعة صباحاً لتنفيذ الهدم، قلنا لهم إننا نفضّل هدم منزلنا بأنفسنا لأنهم أرادوا أن يلزمونا كذلك بدفع التكاليف»، مضيفة: «وضعتنا البلدية أمام خيارين: إما أن نهدم المنزل بأنفسنا، وإما أن ندفع نفقات الهدم البالغة مئة ألف شيكل (25 ألف دولار)».
وقد تلقت العديد من عائلات فلسطينية في القدس القديمة التي تحتلها إسرائيل أوامر مماثلة بالهدم. وترجع البلدية السبب إلى بناء المنازل أو توسيعها من دون ترخيص من السلطات.
وتدافع فاطمة (28 سنة) عن موقفها قائلة: «تقدمنا بطلب إلى السلطات. المشكلة أن التراخيص تحجب عن الفلسطينيين بطريقة منهجية».
أما المواطن المقدسي علي محمد طه، البالغ من العمر السابعة والستين، فعليه أن يقدم صوراًَ للمحكمة تثبت هدم الجزء الإضافي من منزله الذي شيده من دون موافقة السلطات. ويقول: «تقدمنا بطلب للترخيص، لكن البلدية رفضت. هم يريدون دفعنا إلى مغادرة المدينة القديمة».
وفي تبريرها لعمليات الهدم، تكتفي مصادر في بلدية القدس بالقول إن «البناء من دون إذن هو بناء غير شرعي». وقال المتحدث باسم رئيس بلدية المدينة المحتلة، نير بركات، إن «أوامر الهدم هذه تلحظ الفلسطينيين دون سواهم».
إلا أن مئير مارغاليت من اللجنة الإسرائيلية لمناهضة هدم البيوت يؤكد وجود «تمييز واضح ومنهجي من المسؤولين الإسرائيليين».
نظرياً، إن المعايير المعتمدة للاستحصال على ترخيص في القدس هي معايير موحدة للجميع، إلا أنها لا تعطى ضمن المنطقة المصنفة «خضراء». وتقع المساحة الأكبر من القدس الشرقية في «المنطقة الخضراء» بعكس القدس الغربية كما يوضح مارغاليت. ويضيف أن «هذا قرار سياسي، الإسرائيليون لا يعطون التراخيص. طبعاً، لن يقولوا لك إن سبب الرفض هو لأنك فلسطيني، بل سيقولون إن هذه المنطقة مصنفة ضمن المنطقة الخضراء، لذلك لا يمكن إصدار الترخيص».
وتلفت المنظمة الإسرائيلية غير الحكومية «عير أميم» إلى أنه «منذ عام 1967، بدأت إسرائيل باستخدام التخطيط المدني وسيلة أساسية لوقف عمليات البناء الفلسطينية والإبقاء على غالبية سكانية واسعة من الإسرائيليين في المدينة». وقالت إن «27 عملية هدم منازل من أصل 85 جرت طواعية، أي إن أصحابها هدموها بأنفسهم بعد تلقيهم الأمر بذلك في عام 2008».
وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قد انتقدت السياسة التي تتبعها إسرائيل، القاضية بهدم المنازل التي أُنشئت أو وُسِّعَت من دون إذن، ووجدتها مخالفة لخريطة الطريق.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الأنشطة الإنسانية، فإن ما يقارب ستين ألفاً من الفلسطينيين مهددون بفقدان بيوتهم إذا ما استمرت سياسة هدم المنازل.
(أ ف ب)