محمد زبيبوحده النائب غازي يوسف يفهم في أمور الكهرباء، أمّا الخبراء الفعليون في هذا المجال فلا يفهمون شيئاً... هذا ما يحاول أن يقوله الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للخصخصة، فخطّة وزير الطاقة والمياه ألان طابوريان، برأيه، غير جدّية، لهذا السبب منعه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة من عرضها على طاولة مجلس الوزراء! ويضيف يوسف أن خطّة طابوريان ستنسُف، إذا اعتُمدت، كل الخطط السابقة التي تراكمت من أيام محمد عبد الحميد بيضون وصولاً إلى محمد فنيش، مروراً بموريس صحناوي وبسّام يمّين... والتي حظيت بالتأييد العارم من كل الجهات الخارجية!
إن الأمر الوحيد الذي يبدو غير جدّي أبداً، هو رأي النائب يوسف نفسه، فالخطط التي يخاف عليها لم تعد موجودة في الواقع، وهي خطط مبعثرة قام المجلس الأعلى للخصخصة بأخذ ما يريده منها، أو ما أوصى بأخذه الرئيس السنيورة الذي هو رئيس لهذا المجلس في الوقت نفسه، بحيث لم يبقَ من هذه الخطط إلا خيار الخصخصة، لأنه الخيار الوحيد للتخلص من عبء قطاع الكهرباء وتحويل المنافع التي ستتأتى منه إلى شلّة من المنتفعين... كذلك، فإن هذه الخطط ليست متشابهة، ولا سيما خطّة موريس صحناوي التي استبعدت خيار الخصخصة لعدم ملاءمته للأوضاع اللبنانية واستحالة اعتباره المفتاح السحري لمعالجة مكامن الأزمة، وهو ما توصل إليه طابوريان، وهو ما توصلت إليه قبل ذلك بوقت قصير بعثة من خبراء الطاقة لدى البنك الدولي الذين كان يمكن حكومة السنيورة أن تمنعهم من دخول لبنان إن استطاعت فعل ذلك.
ثم إن هذه الخطط مضى عليها وقت طويل، ولم تُنَفَّذ أيٌّ منها، بل على العكس، إنّ أوضاع الكهرباء تزداد سوءاً بسبب إصرار الحكومات المتعاقبة على تهيئة الظروف للخصخصة من دون القيام بأي استثمار في هذا الوقت يسدّ الفجوة الواسعة بين العرض والطلب، وهذا ما حاول طابوريان معالجته قبل الحديث عن الخيارات الاستراتيجية المتصلة بملكية القطاع والمستفيدين منه.
فما هو غير الجدّي في خطّة طابوريان المحظورة على النقاش في مجلس الوزراء؟
هذه الخطة تنطلق من أن المشكلة الأساسية التي يعاني منها قطاع الكهرباء تتمثل بوجود طاقة إنتاجية متاحة حالياً لا تتجاوز 1500 ميغاواط من جميع المصادر، فيما الطلب في أوقات الذروة في عام 2008 بلغ 2200 ميغاواط، أي إن هناك عجزاً في تلبية الطلب يبلغ 700 ميغاواط، أو ما نسبته 32%، ويُسجل نمواً في الطلب بنسبة 5% سنوياً، ما يعني أن عدم الاستثمار في زيادة الطاقة الإنتاجية سيؤدي إلى اتساع الفجوة في عام 2014 إلى 1700 ميغاواط، أو ما نسبته 58%، إذ إن الطلب سيصل إلى 2950 ميغاواط، فيما الطاقة الإنتاجية ستتراجع إلى 1250 ميغاواط بسبب تهالك بعض المجموعات وتقادمها ولا سيما في معمل الجيّة... وهذا يعني أن مؤسسة كهرباء لبنان لن تكون قادرة على تغذية المواطنين إلا بنصف حاجتهم من الكهرباء، علماً بأن بيروت الإدارية ومناطق الاصطياف (في فصل الصيف) ستستأثر بالحصة الأكبر من الطاقة المتاحة، وبالتالي ستعاني كل المناطق الأخرى من نقص في التغذية يمثل أكثر من 70% من حاجاتها في أوقات الذروة.
لذلك اقترح طابوريان تركيز الجهد على سدّ هذه الفجوة كأولوية، عبر:
■ إعادة تأهيل معامل الزوق والجيّة ومركبا، وإطالة عمر بعض المجموعات فيها، وقد وقّع طابوريان منذ 6 أشهر العقود المتعلقة بالدراسات اللازمة لذلك، على عكس ما يدّعيه الإعلام الموجّه، وهذا الإجراء يمكن أن يزيد نحو 250 ميغاواط إضافية على الطاقة الإنتاجية المتاحة، علماً بأن كلفة تشغيل هذه المعامل على الفيول أويل تقل بكثير عن كلفة تشغيل المعامل الأخرى على المازوت.
■ الاستثمار في إعادة تأهيل وزيادة كفاءة شبكات التوزيع والنقل لخفض الهدر الفني المقدّر بنحو 15% من مجمل الإنتاج، والوصول إلى المستوى المقبول عالمياً (8%)، وتأثير هذا الإجراء يوازي بأهميته إنشاء معمل جديد، إذ إنه سيضيف نحو 7% من الإنتاج المتاح للمواطنين، وتقدّر كلفة هذا المشروع بنحو 200 مليون دولار (التمويل متاح).
■ تحويل معمل دير عمار للعمل كلياً على الغاز الآتي من مصر، وتحويل معمل الزهراني للعمل على الفيول أويل بانتظار إنشاء محطة تحويل للغاز السائل بالقرب من هذا المعمل، ويعد هذا الاستثمار الأخير مجدياً نظراً للوفر الذي سيتحقق سنوياً من جراء فارق الأسعار بين المازوت المستخدم حالياً والغاز أو الفيول أويل.
■ إحداث زيادة نوعية على كمية الإنتاج بمقدار 600 ميغاواط بزمن قياسي يمتد بين سنة وثلاث سنوات، عبر تركيب مولّدات (وحدات توليد طاقة بحركة تبادلية) تعمل على الفيول أويل أو الغاز، وقد أفادت الشركات المصنّعة لهذه المولّدات بأنها قادرة على تركيب أول دفعة من هذه المولّدات في غضون سنة واحدة، ليكون لدى لبنان طاقة إضافية بمقدار 300 ميغاواط في المرحلة الأولى.
■ إنشاء معمل جديد يعمل على الفحم الحجري أو الغاز الطبيعي السائل أو أي نوع آخر من الوقود المنخفض الكلفة لتوفير تغطية الطلب تغطية دائمة ومستقرة، وهذا يحتاج إلى نحو 5 سنوات.
هذه هي خطة طابوريان باختصار، وهي تهدف إلى توفير الكهرباء على مدار ساعات اليوم بأسرع وقت ممكن (سنتان)، فيما الخطط الأخرى، بحسب ما يقول طابوريان، شُغلت في إيجاد الأُسس لإطلاق أوسع عملية خصخصة ظالمة من دون أن تؤدّي بالضرورة إلى معالجة مكامن المشكلة على المدى المنظور.