بغداد ــ زيد الزبيديصوّت برلمان كردستان ـــــ العراق، أمس، على مشروع دستور أعدّته «لجنة إعادة النظر في مشروع دستور الإقليم»، يكرّس هذا الإقليم شبه دولة تتمتع بحكم ذاتي يلامس الاستقلال عن الحكومة المركزية في بغداد. ولم يبقَ لهذا الدستور لكي يدخل حيّز التنفيذ سوى أن ينال غالبية أصوات مواطني الإقليم في استفتاء عام يجري في 25 تموز المقبل، في موازاة انتخاب أعضاء البرلمان الكردستاني. وقُرئ مشروع الدستور باللغتين العربية والكردية، وصوّت لمصلحته 96 من مجموع 97 نائباً حضروا الجلسة (من أصل 111 عضواً).
وثيقة استقلالية تبدأ بمقدمة أو «ديباجة» مشحونة بالصيغ العاطفية «للمظلومية التاريخية» لـ«وطننا» الكردي، «من أجل حريتنا وصون كرامتنا وحماية (وطننا)، والإقرار بحقنا في تقرير مصيرنا بملء إرادتنا الحرة».
وبمعزل عن الديباجة، التي قد تصلح مقالاً في صحيفة يومية، لا بد من الإقرار بأن النصوص التي تضمنها مشروع الدستور أكثر ديموقراطية من الدستور العراقي الذي سُنّ في عام 2005، لولا إقحام النقاط الخلافية، واعتبارها أمراً واقعاً لمصلحة الجهة التي أعدّت الدستور، وهو ما يرجّح حصول إشكالات مستقبلية مع العرب والتركمان يخشى أن تتحول إلى حرب أهلية.
فقد ورد في المادة 2 من الباب الأول من مشروع الدستور ما يأتي:
«أولاً: كردستان العراق كيان جغرافي تاريخي، يتكوّن من محافظة دهوك بحدودها الإدارية الحالية، ومحافظات كركوك والسليمانية وأربيل، وأقضية عقرة والشيخان وسنجار وتلكيف وقرقوش، ونواحي زمار وبعشيقة واسكي كلك من محافظة نينوى، وقضاءي خانقين ومندلي من محافظة ديالى، وذلك بحدودها الإدارية قبل عام ١٩٦٨.
ثانياً: تُحدّد الحدود السياسية لإقليم كردستان ـــــ العراق باعتماد تنفيذ المادة ١٤٠ من الدستور الاتحادي.
ثالثاً: لا يجوز تأسيس إقليم جديد داخل حدود إقليم كردستان».
ويرى عدد كبير من المراقبين أن هذه المادة تحمل في طياتها «كذباً» على التاريخ والجغرافيا والواقع، إذ لم يرد في أي مصادر، على مدى مختلف الحقبات الزمنية، كيان اسمه «كردستان العراق»، فضلاً عن وضع حدود متصوّرة له تتضمن ابتلاع أراض واسعة من محافظات لا علاقة لها بـ«منطقة الحكم الذاتي»، التي أوجدها النظام السابق وأُطلق عليها بعد الاحتلال اسم «إقليم كردستان».
وتحمل هذه المادة تناقضات كبيرة، إذ لا تجيز تأسيس إقليم جديد داخل إقليم كردستان، ما يسلب الأقليات القومية الأخرى الحقوق التي يريدها القادة الأكراد لأنفسهم. وتنص الفقرة نفسها على تحديد الحدود «السياسية» للإقليم، باعتماد تنفيذ المادة 140 من الدستور الاتحادي، وهي مادة خلافية، تدخل ضمن المادة 142، التي تنص على تعديل الدستور، ما يعني أن هذه المادة في مشروع الدستور الكردستاني لا تتفق مع ما ورد في نظيره الاتحادي بصيغته الحالية، الذي كان القادة الأكراد طرفاً أساسياً في إعداده وإمراره.
ويرى مراقبون أنّ المطالبات الكردية بتوسيع حدود إقليمهم على حساب الحدود الدولية المعترف بها، بمعزل عن رأي كامل فئات الشعب العراقي، تُعدّ «أمراً خطيراً للغاية»، وتثبت مبدأ أنّ «الاحتراب الداخلي القومي لن ينتهي على خير».
ولم يفت معدّو صيغة الدستور دغدغة مشاعر الأطراف الدينية المشاركة في «العملية السياسية»، لغرض كسب نوع من التأييد، من خلال المادة السادسة في الباب نفسه، التي تنصّ على أنه «لا يجوز سنّ قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام»، الأمر الذي يناقض النصوص المدنية في مشروع الدستور، إضافة إلى المواد المتعلقة بالاستثمار والسياسات المصرفية.
ويعاكس مشروع الوثيقة الكردية ما نصّ عليه الدستور العراقي بشأن مرجعية القوات المسلحة، إذ رأى أن رئيس الإقليم هو القائد العام للقوات المسلحة «البشمركة» في كردستان، من دون الإشارة إلى الجهة التي ترتبط بها هذه القوات، وهي وزارة الدفاع العراقية. حتى إنّ المشروع نصّ على عكس ذلك المبدأ، فاشترط «السماح بدخول قوات مسلحة اتحادية إلى أراضي كردستان ـــــ العراق، عند الضرورة فقط»، بعد «استحصال موافقة برلمان كردستان ـــــ العراق مع تحديد مهماتها ومكان بقائها في الإقليم ومدّته».
موادّ دستورية تعطي استقلالية تامة لتلك القوات الكردية، وتمنع الجيش العراقي حتى من الدفاع عن الحدود التي تبقى رهن رغبة رئاسة الإقليم وبرلمانه، كأنما الأمر يتعلّق بطلب مساعدة من دولة أخرى. أضف إلى كل ذلك ما منحه مشروع الدستور الإقليمي لرئيس الإقليم من ناحية حق التصرف بقوات «البشمركة»، ومنحها الرتب والترقيات أو الفصل والإحالة على التقاعد، بمعزل عن آليات القوات المسلحة العراقية.
ويمنح مشروع الدستور نفسه استقلالية كبيرة في الموارد المالية، وفي حصة الإقليم من الموازنة العامة. وتنص إحدى بنوده على أنّ «الموارد والمصادر العامة للثروات الطبيعية والمياه الجوفية والمعادن غير المستخرجة، والمياه السطحية والمقالع والمناجم، ثروة عامة، وينظَّم استخراجها واستغلالها وإدارتها وشروط التصرّف بها بقانون (إقليمي) يحافظ عليها لمصلحة الأجيال الحالية والمستقبلية».
كذلك يلفت إلى أنّ «إدارة كل ما تتطلبه حقول النفط والغاز الخام غير المستخرج، أو المستخرج غير المنتج، من عمليات الاستكشاف والإنتاج والإدارة والتطوير والبيع والتسويق تجارياً قبل 15/8/2005، والتصدير وكل العمليات الأخرى»، تجري «وفق قوانين الإقليم».

(النص الحرفي لدستور كردستان على هذا الرابط)


يضم كركوك إلى شبه دولة كردية في شمال العراق


يتمتّع إقليم كردستان العراق باستقلالية دولة كاملة السيادة منذ كان محميّة ترسّخ استقلالها عن العراق بعد عام 2003: لكي يزور العراقي العربي الإقليم ـــــ الدولة، على كردي أن يكفله. نفط كردستان وعقوده خاصة به. جيشه لا يأتمر بأوامر بغداد. سياساته الخارجية شبه مستقلة. واليوم، يجري ما يعتبره البعض أخطر من ذلك: تكريس الاستقلال دستورياً، مع تصويت برلمان الإقليم، بشبه إجماع أعضائه، أمس، على دستور سيُعرَض على الاستفتاء الشعبي في الإقليم في 25 تموز المقبل. دستور يوسّع حدود الإقليم على حساب المحافظات المركزية، ويمنع الجيش المركزي من الدخول إليه إلا بإذن خاص... باختصار دستور يُؤسّس لحرب أهلية


الكرديّة والعربيّة لغتان رسميّتان




يشير الدستور الجديد لإقليم كردستان العراق إلى أن الإقليم «يتكوّن من الأكراد والتركمان والعرب والكلدان والسريان والآشوريين والأرمن وغيرهم ممن هم من مواطني إقليم كردستان». كما ينص على احترام «الهوية الإسلامية لغالبية شعب كردستان العراق» واحترام «كامل الحقوق الدينية للمسيحيين والأيزيديين وغيرهم». واعتبر مدينة أربيل عاصمة الإقليم، وأجاز لبرلمانه اختيار غيرها من مدن كردستان عاصمة بغالبية ثلثي أعضائه.
كذلك جعل اللغتين الكردية والعربية لغتين رسميتين، واعتبر التركمانية والسريانية لغتين رسميتين إلى جانب اللغة الكردية والعربية في الوحدات الإدارية التي يمثّل الناطقون بها كثافة سكانية.
ويضمن هذا الدستور الحقوق القومية والثقافية والإدارية للتركمان والعرب والكلدان والسريان والآشوريين والأرمن، بما فيها الحكم الذاتي، حيث تكون لأيّ مكوّن منهم أكثرية سكانية، وينظّم ذلك بقانون.
(أ ف ب)