الحكومة لم تنجز الاستملاكات والصندوق العربي لإعادة المناقصةأوصى الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بإعادة طرح مناقصة مشروع الليطاني بما يضمن أكبر منافسة ممكنة بين المقاولين، داعياً السلطات اللبنانية إلى القيام بذلك في غضون 15 شهراً، وهي الفترة المطلوبة لإنجاز الاستملاكات الخاصة بهذا المشروع، والتي لم تُنجز حتى الآن على الرغم من مضيّ 8 سنوات على موافقة الصندوق على المساهمة بتمويل المشروع المذكور
حصلت الحكومة في عام 2001 على قرضين بقيمة 165 مليون دولار للبدء بتنفيذ المرحلة الأولى من مشروع نقل مياه الليطاني إلى الجنوب (المعروف باسم مشروع ريّ الليطاني على منسوب 800 متر)، وظنّ الجنوبيون أن هذا المشروع قد انطلق بعد انتظار عقود طويلة من الزمن، إلا أن ذلك لم يحصل بسبب تلكّؤ المعنيين عن تأمين الشروط اللازمة للانطلاقة، ولا سيما لجهة تنفيذ الاستملاكات.
وتم تقدير كلفة هذه المرحلة الأساسية بنحو 265 مليون دولار (من أصل كلفة المشروع الإجمالية البالغة نحو 500 مليون دولار)، وجاء التمويل المتاح من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي (100 مليون دولار) والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية (65 مليون دولار)، على أن تبلغ حصّة الدولة اللبنانية من التمويل نحو 100 مليون دولار، منها 52 مليون دولار لتنفيذ الاستملاكات.
حصل هذا التطوّر الإيجابي بعد وقت قصير من إنجاز تحرير الجنوب في عام 2000، وبدا أن الحكومة ستكون متحمّسة للقيام باستثمارات مهمّة على حوض الليطاني تساهم في تنمية المناطق المحررة، إذ إن مشروع القناة ٨٠٠ متر يمكن أن يروي ١٣٢٢٥ هكتاراً، تحتوي على ١٢ منطقة زراعية موزعة على أقضية البقاع الغربي ومرجعيون وحاصبيا وبنت جبيل وصور، وذلك عن طريق نقل نحو 110 ملايين متر مكعب سنوياً من مياه النهر عبر مأخذ على نفق أسفل سد القرعون إلى الجنوب وتوفيرها لأغراض الريّ والشرب والاستهلاك الصناعي.
ولكن سرعان ما تبيّن أن هذه الحماسة ظاهرية، أمّا الحقيقة فكانت غير ذلك، إذ لم يجر إنجاز أي خطوة عملية إلا في عام 2005، أي بعد 4 سنوات من توفير التمويل المطلوب، وتمت الدعوة إلى مناقصة لتنفيذ الأشغال في عام 2006، ولم تُبتّ نتائجها حتى الآن، علماً بأنه كان يجب الانتهاء من تنفيذ الأعمال المشمولة بها بعد 4 سنوات.
تشمل أعمال هذه المناقصة 3 أجزاء:
1ــ المأخذ ونفق يحمر: ويتضمّن إنشاء مأخذ للمياه من سد القرعون، وسيفوناً يعبر نهر الليطاني، وإنشاء نفق يحمر الذي يبلغ قطره حوالى 2،6 وطوله حوالى 5،5 كم، إضافة إلى محطة صغيرة لتوليد الطاقة الكهربائية (1،7 ميغاوات).
2ــ خطوط نقل المياه من كوكبا إلى شقرا: ويتضمن إنشاء قناة قليا بطول حوالى 7،5 كم وعرض حوالى 6،9م، ومدّ خطوط أنابيب مزدوجة ومنفردة تتراوح أقطارها بين 1400 و1700 مم، وإنشاء نفقين بقطر حوالى 2،2 وبطول إجمالي يبلغ حوالى 1،2 كم. كذلك يتضمن مدّ خطوط أنابيب فرعية تتراوح أقطارها بين 300 مم و400 مم، ويبلغ إجمالي أطوالها حوالى 19 كم، وإنشاء 9 خزانات خرسانية و 5 خزانات ترابية، إضافة إلى عدد من محطات الضخ.
3ــ خطوط نقل المياه من شقرا إلى يارين: ويتضمن مدّ خطوط رئيسية من شقرا حتى يارين تتراوح أقطارها بين 300 مم و900 مم، ويبلغ إجمالي أطوالها حوالى 20،5 كم، وإنشاء نفق يبلغ قطره حوالى 2 م، وطوله حوالى 2 كم، ومدّ خطوط أنابيب فرعية تتراوح أقطارها بين حوالى 300 مم و900 مم ويبلغ إجمالي أطوالها حوالى 11،5 كم، إضافة إلى إنشاء 5 خزانات خرسانية وخزانين ترابيين، وعدد من محطات الضخ.
انتهت مع نهاية عام 2008 المهلة المحددة لسحب القرضين اللذين منحهما الصندوق العربي والصندوق الكويتي للحكومة، وكاد لبنان أن يخسر هذا التمويل، إلا أن الصندوق العربي قرر أن يرسل بعثة منه للاطلاع على أسباب تأخير تنفيذ المشروع، وقد أعدّت هذه البعثة تقريراً شاملاً في شباط الماضي، وتسلّمه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في آذار، وهو يتضمن جملة توصيات يمكن أن تؤدّي إلى استمرار التمويل.
ويسرد هذا التقرير الإجراءات والمراحل التي مرت بها المناقصة المذكورة:
* تم التأهيل المسبق لسبعة ائتلافات من المقاولين، وتم توجيه الدعوة لهم بتقديم عروضهم في 15/3/2006، وكان من المتوقع أن يتم فتح العروض في 14/7/2006.
* تم تأجيل تاريخ فتح العروض على إثر حرب تموز 2006 على لبنان إلى 15/1/2007.
* تقدّمت 3 ائتلافات فقط بعروضها، وهي ائتلافات يشارك في كل منها مقاولون أتراك، وتتألف من enterepose التي قدمت عرضها الأساسي بقيمة 475 مليون دولار، وyuksel التي قدمت عرضها بقيمة 467 مليون دولار، ومجموعة الخرافي التي قدمت عرضها بقيمة 408.8 ملايين دولار.
* جدّد الاستشاري تقديراته للكلفة، بناءً على طلب مجلس الإنماء والإعمار، قبل أسبوع من تاريخ فتح العروض المالية، وبلغت 265 مليون دولار.
* اتّضح أن العرض الأقل سعراً هو عرض الائتلاف الذي تقوده مجموعة الخرافي، وهو يفوق بكثير تقديرات الاستشاري المحدّثة (أكثر من 54% بالنسبة إلى العرض الأساسي).
* تم اعتبار العروض الأساسية فقط في المراحل اللاحقة لتحليل العروض، وكلّف مجلس إدارة مجلس الإنماء والإعمار رئيس المجلس للقيام بالتفاوض مع الائتلاف الذي يقوده الخرافي لخفض عرضه، على أن يتم إبلاغ المجلس بنتائج تلك المفاوضات.
* خاطب المجلس الائتلاف الذي يقوده الخرافي، وحدد لائحة تتضمن 243 بنداً من الأسعار الإفرادية المرتفعة جداً، بالمقارنة مع تقديرات الاستشاري، وطلب المجلس من مجموعة الخرافي تزويده بتبريرات للزيادة في تلك الأسعار، إضافة إلى بعض الأمور الأخرى المتعلقة بعرضه.
* رأى المجلس أن مبررات المقاول للزيادة في أسعار 20 بنداً يمكن أعتبارها مقبولة، ويبلغ إجمالي الزيادة في تلك الأسعار نحو 17 مليون دولار، إلا أنه يبقى حوالى 223 بنداً أسعارها مرتفعة جداً، ولم تتمكن إيضاحات المقاول من تبريرها، ويبلغ إجمالي الزيادة المعنية بتلك الأسعار، مقارنة بتقديرات الاستشاري، نحو 108 ملايين دولار.
وسجّلت البعثة ملاحظات عدّة في تقريرها، أبرزها:
1) لم يتسلّم المجلس سوى 3 عروض ائتلافات من أصل 7 ائتلافات تمّ تأهيلها، وبالتالي تعتبر المناقصة محدودة، ويمكن إيعاز تلك إلى الظروف التي مرت بها المناقصة، حيث تم الإعلان عن التأهيل المسبق للمقاولين في أكتوبر 2005، ولم يتم تسليم العروض الفنية والمالية إلا في يناير 2007. وكان من المتوقع، في ظل ظروف الحرب التي مر بها لبنان في تموز 2006، أن يعزف بعض المقاولين المؤهّلين عن تقديم عروضهم.
2) تضافرت عدة عوامل، بالإضافة إلى الأوضاع التي سادت في لبنان قبل فتح العروض ومحدودية عدد العروض التي تم الحصول عليها، في ارتفاع الأسعار التي تقدمت بها الائتلافات الثلاثة، ومن أهمها التأخير في عملية استملاك الأراضي، وكذلك موضوع الألغام، وكل هذه المسائل لم تتم تسويتها حتى الآن.
3) جدّد الاستشاري تقديراته لتكاليف المشروع قبل أسبوع من فتح العروض، وتوصل إلى مبلغ 265 مليون دولار، وذلك أخذاً في الاعتبار كل ما ورد أعلاه من ظروف صعبة لتنفيذ الأعمال وزيادة في الأسعار، وكذلك عدم وجود معادلة لمراجعة الأسعار لحماية المقاول من مخاطر تلك التقلبات، نظراً إلى ما حصل منذ تلك الفترة من انخفاض في الأسعار العالمية، ومن حصول استقرار نسبي في لبنان، يتوقع أن يعمل الاستشاري على خفضها إذا طُلب منه تحديثها، وخاصة إذا ما تم إدراج معادلة جديدة وشاملة لمراجعة الأسعار، كما اقترح المجلس على المقاول «الخرافي» أثناء التفاوض لحفزه على تقديم أكبر تخفيضات ممكنة لأسعاره.
4) توصل مجلس الإنماء والإعمار إلى لائحة تشمل 223 بنداً تعتبر أسعارها مرتفعة جداً، ويبلغ إجمالي الزيادة في تلك البنود مقارنة بتقديرات الاستشاري حوالى 108 ملايين. وحتى إذا ما سلّمنا بأن المقاول سيعدل عنها، ويلتزم بأسعار الاستشاري لتلك البنود، فإن مبلغ العقد الذي سيتمّ التوصل إليه سيكون في حدود 300 مليون دولار، وهو ما يفوق تقديرات الاستشاري (265 مليون دولار) التي تعتبر مرتفعة نسبياً.
5) ما زال استملاك الأراضي متعثراً، إذ لا يتوقع أن يتم الانتهاء منه وتسليم مواقع الأعمال للمقاول قبل حوالى 15 شهراً، أضف إلى ذلك مشكلة الألغام التي لم تحلّ. كذلك فإن هناك تأخيراً كبيراً في أعمال المرحلة الثانية من المشروع التي تشمل الدراسات واستصلاح الأراضي وتنفيذ أعمال شبكات الري للاستفادة من مياه المشروع ولو جزئياً، وهي كلها غير مموّلة من القرض.
استناداً إلى كل ما تقدّم، رأى الصندوق العربي ضرورة لإعادة طرح المناقصة وفتح المنافسة بشكل واسع، وبما يضمن أكبر منافسة ممكنة للمقاولين، وخاصة أنه يوجد وقت كاف بسبب عدم اكتمال استملاكات الأراضي، ويمكن أن تساهم تلك المنافسة في ظل الركود الحاصل في الاقتصاد العالمي وأعمال الإنشاء، وانخفاض أسعار مواد الإنشاء والنفط، في الحصول على أسعار أفضل، وقد يساهم ذلك أيضاً في تقليص العجز المتوقع في تمويل المشروع، حيث إن التمويل المتوفر من قرضي الصندوقين العربي والكويتي لا يتعدى 170 مليون دولار.


7 أضعاف

هي نسبة نمو الإنتاج في 150 ألف دونم من الأراضي المستفيدة من المشروع، بحسب نصر الله، كما سيزيد دخل الأسر حوالى 7 أضعاف، ولكن السلطات السياسية لا تزال تتعاطى مع المشروع بكل خفة.


ضغوط سياسية