لم يخرج أي موقف عربي رسمي داعم لحركات الاحتجاج في إيران. فالمواقف الصادرة كانت في الغالب محايدة، فيما فضّل البعض الصمت التام، على غرار السعودية والأردن، لكن صحف هاتين الدولتين تكفلت باتخاذ المواقف، التي لم تكن محايدة
مي الصايغ
بقيت السعوديّة رسميّاً على صمتها إزاء الأزمة الداخلية الإيرانية منذ صدور نتائج الانتخابات الرئاسية في 13 حزيران الجاري. غير أن الصمت لم يوحِ بالحياديّة، إذ اصطفت صحف المملكة التي تدور في فلكها منذ اليوم الأول ضد الرئيس محمود أحمدي نجاد، حتى قبل الانتخابات، إذ انبرت لتحذير الإيرانيين من عواقب إعادة انتخابه.
ومع صدور النتائج، وإعلان فوز نجاد، شنت الصحف السعوديّة هجوماً حاداً عليه، مشيرةً إلى أن إعادة انتخابه بمثابة «إعادة إنتاج لأزمات طهران»، مشبهةً فوزه بإعادة انتخاب جورج بوش لولاية رئاسية ثانية عام 2004 رغم النتائج الكارثة لولايته الأولى.
صحيفة «الجزيرة» شككت في أن يكون خيار نجاد خيار الشعب الإيراني، متهمةً الرئيس الإيراني بأنه «إعادة إنتاج للعديد من الأزمات لإيران، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي»، مهلّلة لما وصفته بأنه «بوادر احتراب داخلي» بعد إعلان أنصار المرشح مير حسين موسوي النزول إلى الشارع لتغيير نتائج الانتخابات.
بدورها، رأت صحيفة «الوطن» أن ما أخرج الجمهور الإيراني إلى الشارع هو «دوافع اقتصادية واجتماعية مرتبطة بإحساس العزلة التي يعاني منها الشارع الإيراني. فالجيل الجديد من الشباب الذي ولد بعد الثورة والذين يقودون الشارع الإيراني اليوم أدركوا أنّ الدولة الدينية بصيغتها الخمينية لم تعد مجدية لهم».
غير أن صحف الداخل السعودي في كفة، وصحيفة «الشرق الأوسط» السعودية ذات الطابع الدولي في كفّة أخرى. فبدا منذ اليوم الأول للأزمة أن الوضع الإيراني بات قضيتها الأولى والأخيرة، وحرصت على أن تتصدر الخبر صفحتها الأولى مع عناوين فاقعة خارج مألوف الأخبار المتداولة على وكالات الأنباء وحتى مواقع التواصل الاجتماعي أو المدونات.
ولم تجهد «الشرق الأوسط» لإخفاء اصطفافها المطلق إلى جانب طرف دون آخر في الأزمة الداخلية، حتى بدت «ملكيّة أكثر من الملك» في مواقفها وتأويلاتها للأزمة وأطرافها. وانبرى كتّابها لتحليل واقع الحال الإيراني. فرئيس تحرير الصحيفة، طارق الحميد، رأى أن إعادة انتخاب نجاد تمثّل «كارثة». وتوقع أنّ «التفاوض مع إيران بشأن ملفها النووي سيحمل طابعاً متشدداً، وسيراعي دوماً أنّ النظام لا يحظى بشعبية داخلية».
في المقابل، كال رئيس التحرير السابق للصحيفة، مستشار التحرير فيها عبد الرحمن الراشد، المدائح على مير حسين موسوي، مشيراً إلى أنه «ثاني رجل، بعد الإمام الراحل آية الله الخميني، يتزعم حركة شعبية معارضة ويحدث زلزالاً في العاصمة الإيرانية».
بالانتقال إلى المملكة الهاشمية، لم يكن الموقف الأردني متمايزاً عن نظيره السعودي، لكنه كان أقل حدةً، وسط شبه إجماع على اعتبار ما يجري في طهران «ثورة برتقالية بغطاء أخضر». فهذه هي المرة الأولى منذ أن تأسس النظام السياسي الإيراني بعد الثورة في عام 1979 التي تصل فيها حدة التناقض بين أركان النظام وجماهيره إلى هذا الحد، ما دفع الصحف إلى التساؤل: «هل هذه بداية ثورة أم هي مجرد موجة احتجاجات عابرة سيسيطَر عليها أمنياً وبقوة الحرس الثوري والجيش؟».
ورأى المحلل السياسي جميل النمري، في صحيفة «الغد»، أنّ «استمرار التظاهرات اليومية، يعني أننا أمام انتفاضة تحمل كل مواصفات ما أُطلق عليه في العقد الأخير الثورات الملونة، موجة شعبية للتغيير تعبّر عن نفسها في صناديق الاقتراع، وإذ تتنكر السلطة للإرادة الشعبية تتحول إلى انتفاضة عارمة على النظام، ثورة بلونها الوطني الخاص وهو الأخضر الذي اعتمدته المعارضة».
ويُجمع معظم المحللين السياسيين على أنّ انتخابات الرئاسة الإيرانية «لا تمثل أية علامة فارقة في النهج السياسي الإيراني ولا تشير إلى أن أي تغيير قد يحدث على هذه السياسة في المرحلة المقبلة». ويرى نصوح المجالي، في جريدة «الرأي»، أنّ «التصريحات الأميركية والأوروبية والصحافة الغربية التي تشن حملاتها على حكومة طهران، لا تضايق نظام الملالي. فهو على العكس من ذلك يتمنى أن تشتد الحملة أكثر ليوظفها ضد الإصلاحيين المعارضين».
في المحصلة، لا تزال كل من السعودية والأردن مسكونة بشبح توسيع إيران لنفوذها الشيعي والإقليمي في المنطقة، فهما راهنتا على فوز موسوي بعدما أثقل كاهلهما طيف نجاد.