ما إن بدأ مزارعو البطاطا في البقاع قلع موسمهم «البكيري» لهذا العام حتى اصفرّت وجوههم بسبب اصفرار نبتة البطاطا قبل أوانها. أما السبب فيعود إلى تجار استوردوا نوعية سيّئة من بذار البطاطا الأجنبي من دون إخضاعه للفحوص والتأكد من مواصفاته
البقاع ــ أسامة القادري
يعيش مزارعو البطاطا في البقاع بين سندان تراجع إنتاجهم لهذا الموسم ومطرقة إغراق السوق اللبنانية بالإنتاج العربي المنافس. لذلك يتضح جلياً في سهل البقاع، الذي يزرع فيه 70 ألف طن من البطاطا في الموسم «البكيري»، عدم استعجال المزارعين قلع البطاطا، بعد أن فوجئوا بتراجع إنتاجهم حوالى 50 في المئة، من جرّاء «ضعف نوع «البذار» الأجنبي الذي تسلّموه من التجار. وحتى الآن، لم يُعالَج سبب هذا التراجع في محاولة لدرء الخسارة المقبلة في الموسم «اللقيسي»... من هذا المنطلق، يقدّر الخبراء والعاملون في القطاع الزراعي أن إنتاج لبنان للبطاطا لهذا العام سيظهر تراجعاً بنسبة 50% عن المعدل العام لهذه الزراعة، التي تعتبر من الزراعات الأساسية في إنعاش الاقتصاد اللبناني. كما أظهرت الإحصاءات تراجع نسبة المساحات التي كانت تزرع بالبطاطا، من 100 ألف دونم في الموسم السابق إلى 70 ألف دونم هذا العام، نتيجة الخسائر التي مُني بها المزارعون، التي كبّدتهم أعباءً وديوناً كبيرة...
والمعروف أن لبنان ينتج سنوياً بين 200 ألف و250 ألف طن من البطاطا، ويصدّر منها سنوياً بين 150 ألف طن و175 ألفاً إلى الدول العربية المجاورة. إلا أن هذا الإنتاج يتجه نحو الانحسار الكبير، وفق ما يجمع عليه المزارعون، إذ إن الطلب على البطاطا تدهور هذا العام، لا بسبب ضعف الإنتاج فقط، بل بسبب تراجع المواصفات المطلوبة نتيجة استخدام البذار السيّئ النوعية، لكونه أدى إلى «تقلّص حجم حبّة البطاطا» لأنها لم تنمو نمواً طبيعياً. وتتضح الخسارة لدى المزارعين من أن الدونم الذي كان ينتج بين 3 أطنان و3،5 أطنان سابقاً، ينتج اليوم طناً ونصف الطن فقط. فيما الكلفة واحدة، أي كلفة الدونم من البذار (200 كيلو غرام) تصل إلى 240 دولاراً عدا السماد والأدوية الزراعية والري، لتصل الكلفة إلى حوالى 600 دولار للدونم الواحد، مقابل إنتاج 1500 كيلو من البطاطا، فيما سعر كيلو البطاطا للتصدير 400 ليرة، فتكون الحصيلة 600 ألف ليرة ثمن إنتاج الدونم، فيما الكلفة 600 دولار، فتكون الخسارة 200 دولار عن كل دونم. هذا إذا استمر السعر بـ400 ليرة، أما إذا دخلت البطاطا السورية إلى السوق المحلية، كما يحصل في كل عام بسبب عدم الالتزام بالروزنامة الزراعية المتفق عليها، فستتدنى القيمة الشرائية له، ما يضع المزارع أمام خسارة أكبر.
يبدأ المزارع حسين ملحم بوضع اللوم «على الدولة التي تدير الظهر للمزارع اللبناني، لتتركه على قارعة المغامرات التي لا تنتج له إلا الخسائر المتتالية». ويقول «موسمنا هذا العام انضرب رغم كثافة المطر... لأن البذار مش منيح. أما السبب فهو أن التجار يدخلون بضائعهم عن طريق السمسرة مع الجمارك والمختبرات وغيرها.. وبالآخر بيطلع الضرب براسنا»، عاتباً على وزارة الزراعة التي لا تضع خطة عاجلة تخرج المزارع من «جشع وطمع» تجار البذار والأسمدة والأدوية الزراعية.
فيما المزارع محمد ياسين يشرح بالأرقام خسارته التي مُني بها لهذا الموسم البكيري، ويؤكد أن سببها البذار الذي تسلّمه من أحد التجار «لا كما يدّعي بعض المهندسين الزراعيين أنه بسبب غزارة الشتاء». ويضيف «الشتاء الغزير أنقذنا من الجفاف ومن دفْع أكلاف إضافية على الري». ثم يعدّ المزارع على أصابعه الأكلاف التي وضعها على 150 دونماً زرعها بطاطا، ليستنتج أن خسارته تزيد على 30 ألف دولار، هذا إذا كان الإنتاج نصف ما أنتجه في العام السابق. «لم نقلع بعد إلا القليل لتلبية الطلب المحلّي، وليس للتصدير. فنحن نخفض عبء كلفة التخزين في البرادات، فلتبق مزروعة في الأرض أهون من قلعها»، لافتاً إلى أن «تجار التصدير لم يطلبوا من المزارعين شراء إنتاجهم، لأن كشفهم على الإنتاج أظهر لهم أن مواصفات «رأس» البطاطا غير جيدة».
أما المزارع علي شومان فيشير بيده إلى قطعة أرض من 50 دونماً يبدو عليها اليباس وصغر نبتتها. ويقول «ألا يكفينا خسارتنا؟ فالإنتاج السوري بدأ يدخل السوق المحلية أثناء موسم قلعنا لرزقنا.. من يحمينا من تجار البذار ويحمي بضاعتنا من المنافسة.. ما بكفّي المازوت اللي صار مادة محتكرة عند أصحاب المحطات ولا مين يسأل؟».
من جهته، رئيس نقابة مزارعي البطاطا في البقاع جورج الصقر أكد تراجع موسم البطاطا، وخاصة البكيري، إلى ما يفوق 40 في المئة، رابطاً أسباب التراجع بعاملين أساسيين؛ أوّلهما العوامل الطبيعية وثانيهما نوع سيّئ من البذار استُورد من فرنسا والدنمارك، ووزارة الزراعة تأكدت من أن هناك كمية من هذا البذار دخلت السوق وبيعت للمزارعين، مطالباً الوزارة بالإشراف على كل شيء يخص الزراعة يدخل لبنان، حتى لا يقع المزارع ضحية المواد الفاسدة، ولافتاً إلى أنه بسبب الخسائر التي تلحق بالمزارعين تدنّت نسبة الزراعة 20 في المئة هذا العام. وأضاف الصقر «إن الإنتاج المزروع بدءاً من 20 آذار يعتبر جيداً، أما ما زرع قبل هذه الفترة، أي أثناء غزارة الأمطار، فقد ضرب بشكل كبير». وطالب السلطات المعنية بالعمل على ضبط الحدود ومنع دخول أي إنتاج منافس للإنتاج اللبناني أثناء قلع الموسم.