حملة الاعتقالات المستمرة للنظام المصري بحق «الإخوان المسلمين» لها الكثير من الدلالات، ولا سيما أنها بدأت تشمل قياديين في الحركة الإسلاميّة
وائل عبد الفتاح
«الإخوان» مسالمون. صامتون. ينتظرون. فلماذا يستهدفهم النظام؟ سؤال يدور كلما دارت الماكينة المعتادة واختطفت عدداً من قياديي الجماعة في القاهرة والمحافظات. هذه المرة الضربة استثنائية. قوتها ليست في موقع الخمسة الذين اعتقلتهم، لكن في أنهم قيادات «نوعية». أمراء بناء التنظيم. الاسماء كبيرة بالنسبة إلى الجماعة، وهم حسبما نشر موقع «إخوان أون لاين» وبتوصيفاتهم: عضو مكتب الإرشاد، الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب عبد المنعم أبو الفتوح، والخبير الاستشاري في المعاملات المالية الشرعية، المستشار السابق في وزارة العدل د. فتحي لاشين، ومدير لجنة الإغاثة والطوارئ باتحاد الأطباء العرب ومرشح الإخوان في انتخابات 2005 د. جمال عبد السلام، ورضا فهمي (شمال القاهرة)، وعبد الرحمن الجمل (من رجال التربية والتعليم بالغربية).
أشهرهم طبعاً عبد المنعم أبو الفتوح، ولهذا سُمِّيت الحملة باسمه واتخذت دلالتها من وجوده في القائمة. الدلالة الأولى أن الاعتقالات ضربة لجيل الوسط الفعال في «الإخوان»، جيل العقل والانفتاح على الأحزاب والتيارات الأخرى. ابن جيل السبعينيات الذي قدم حساسية جديدة للجماعة التي أسسها حسن البنا في ١٩٢٨.
الدلالة الثانية تتعلق بما أُثير قبل أسابيع عن علاقة أبو الفتوح بإعادة إحياء خطوط الاتصال بين الجماعة في روضة المنيل والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين. الجماعة تنكر وجود التنظيم الدولي وتراه خرافة يريد بها النظام ضرب الدعم الخارجي للإخوان، رغم أن المرشد العام السابق مصطفى مشهور هو مؤسس التنظيم الدولي سنة ١٩٨٢، بمعاونة المرشد الحالي مهدي عاكف.
التنظيم الدولي بالأساس هو جسد كبير ممتد للجماعة المركز في مصر، لكنه خرج عن سيطرتها وتحاول الآن استعادته عبر لجنة أُنشئت حديثاً في مكتب الإرشاد، بالإضافة إلى اجتماعات حضرها عدد من نواب «الإخوان» في مجلس الشعب.
الهدف من إحياء التواصل هو فتح قنوات اتصالات مع القوى المؤثرة في الخارج (وأميركا على وجه الخصوص)، إضافة إلى منح قوة سياسية للجماعة، التي لا تزال تنظر لها الأوراق الشرعية للنظام السياسي في مصر على أنها «محظورة».
الدلالة الثالثة يروجها بعض من المتحمسين لكاريزما أبو الفتوح الشخصية، ويرون أن هناك سبباً خفيّاً وراء الاعتقال بعد تسرب أنباء عن أن أبو الفتوح هو مرشح الإخوان للرئاسة.
ترتبط كاريزما أبو الفتوح بصورة الزعيم الطلابي، الذي واجه رئيس الجمهورية (كان أنور السادات وقتها) وذلك أثناء رئاسته (أبو الفتوح) لاتحاد طلاب جامعة القاهرة. وفي لقاء مع السادات، الشهير بشخصيته الاستعراضية ذات الأداء المسرحي، وقف الطالب وقتها أمام الرئيس بعد أيام من انتفاضة الخبز في كانون الثاني ١٩٧٧ يناقشه في توجهات الدولة. وعندما قال له السادات: «نحن دولة العلم والإيمان»، ردّ أبو الفتوح: «في دولة العلم والإيمان يجري تحنيط الشيخ الغزالي في وزارة الأوقاف، وعندما لم يجد ما يفعله سافر إلى الجزائر، وبهذا لن يبقى في مصر العلماء المخلصون، وسيبقى فقط العلماء الذين ينافقون السلطة وينافقون سيادتك وينافقون بقية الحكام».
هنا علا صوت السادات وقال له بلهجة آمرة: «لا، قف، قف». وأضاف: «أنا لا أسمح أبداً، لا أحد ينافقني». وظل يردد: «قف مكانك». كان رد أبو الفتوح: «ما أنا واقف اهو يا فندم».
سرت شائعة عن أنه دخل المعتقل وأن سيارة صدمته، لكنه استمر بحس التمرد والشجاعة وأصبح قيادياً في «الإخوان»، بعدما كان عضواً في الجماعة الإسلامية. لكنه مثّل روحاً جديدة، وكان أقرب إلى «الزعيم السياسي» منه إلى الداعية الديني، كما كان أغلب الحرس القديم في «الإخوان». هو صديق للشيوعيين، ويعلن في أكثر من حوار أنه لا يعترض على حرية الإلحاد، وله مسافة حرية شخصية بعيداً عن الإطار الحديدي للتنظيم المغلق. وهذا ما جعله يثير الزوابع في كهوف «الإخوان»، أشهرها زيارته نجيب محفوظ قبل قليل من وفاته واحتفاله معه بعيد ميلاده وأبدى ترحابه بروايته المثيرة للجدل «أولاد حارتنا»، وهو ما أثار حملة عليه وصلت إلى «التكفير»، ولعب خصومه بهذه الورقة لكي يبعدوه عن مراكز التأثير في الجماعة.
لم تُعلَن الاتهامات الموجهة إلى عبد المنعم أبو الفتوح وصحبه في الحملة الأخيرة. إلا أن اللافت هو أن عملية تفريغ الجماعة من قيادييها الفاعلين تأتي بعد تسريبات عن صفقة بين «الإخوان» والنظام: «اصمتوا عن التوريث، لن نضربكم الضربة القاصمة». كذلك تأتي في سياق مناخ مشحون يتوقع فيه حل مجلس الشعب وإجراء انتخابات مبكرة لإعادة ترتيب الخريطة السياسية قبيل لحظة الخلافة وانتقال السلطة.