خلف متراسه المغطى بالثلوج يجلس سعيد، المقاتل السوري على أحد محاور حيّ جوبر. توقفت الاشتباكات قليلاً مع بدء وصول العاصفة «زينة»، إلى العاصمة السورية. يقول الشاب: «خضنا أعنف المعارك في ظل أوضاع جوية مشابهة. عندما ضربت المنطقة العاصفة أليكسا، العام الماضي، كنت في جرود القلمون». ويضيف: «إنها استراحة من العملية العسكرية القائمة بسبب كثافة الثلوج. غير أن الحذر شديد برغم العاصفة.
البرد لا يرحم، غير أننا اعتدنا العوامل المناخية القاسية». لا يرتدي الشاب سترة واقية من المطر، بل اختار أخيراً أن يرتدي سترته الواقية من الرصاص، علّها ترد عنه قسوة الثلج. يتخيّل مدفأة الحطب في بيته الريفي، في بلدة عربين الواقعة في الغوطة الشرقية، ويقول: «سقى الله أيام الدفء والبساطة». تغيّرت ملامح الشاب بحكم الحرب القائمة، وغطى الشيب رأسه الثلاثيني سريعاً.
يتكيف الدمشقيون مع ظروف العاصفة القاسية. نسيان الكهرباء كوسيلة تدفئة أساسية أصبح ضرورة، في ظل قطع الأسلاك الكهربائية بين الأبراج في بعض المناطق، جرّاء الرياح العاصفة. الأبيض يغطي كل شيء، فيما نزل بعض المواطنين إلى الشوارع لالتقاط الصور التذكارية. يمر زياد على أحد الحواجز، ويحيي عناصر الجيش. يسأم الطالب الجامعي من التذمر الدائم حين يستوقفه المشهد.
النقمة على وزارة الكهرباء خفّت حدتها بعدما قضى رئيس ورشة صيانة

«أنوفهم حمراء. يكاد يتجمد الواحد منهم، وهو يسألك عن بطاقتك الشخصية قبل السماح لك بالمرور. على الأقل أعرف أني سأعود إلى بيتي وأتدثر بغطائي، تحت سقف يؤويني»، يقول. للنازحين أيضاً مأساتهم، إذ يحاولون العثور على بعض الدفء في مراكز الإيواء، بالتدثر بالأغطية والالتصاق بعضهم ببعض. أطفالٌ بوجوه زرقاء وشفاه جافة، تكاد تبيضّ كما الثلج في الخارج. يقول محمد، وهو رب أسرة نازحة من حيّ الحجر الأسود جنوبي دمشق: «وضعنا أفضل من غيرنا. على الأقل لسنا في الخيم إنما نفتقد إلى بيوتنا، وأساليب تدفئة كنا أحراراً في اختيارها. ولباس كنّا نشتريه بأنفسنا لأولادنا. الحاجة أفقدتنا كل شيء، وبتنا ننشد الدفء فقط».
نقمة السوريين على وزارة الكهرباء خفّت حدتها، برغم العاصفة، بعدما قضى رئيس ورشة صيانة الكهرباء في قرية الدريكيش في ريف طرطوس، أثناء محاولة إصلاح عطل تقني. صاعقة ضربت أحمد علي حمد، أثناء إصلاحه أحد أبراج التوتر، فنعته وزارة الكهرباء شهيداً للواجب، كما أصيب عاملان في صافيتا من جرّاء سقوطهما عن الأبراج، أثناء إصلاحها. ويذكر توفيق، الموظف في جامعة تشرين في اللاذقية، أن شهداء الواجب في طرطوس وبقية المدن هم تأكيد على أن في البلاد من يقوم بدوره، على العكس من مسؤولي اللاذقية. وواصل الشاب شرح شكواه بالقول: «امتنعت طوارئ الكهرباء في اللاذقية عن الرد على شكاوى المواطنين. وكعادتها أذن من طين وأُخرى من عجين في التعاطي مع شكاوى الفوضى التي تصيب مرافق المدينة كلها. انظري إلى القمامة تغطي الشوارع كدليل على الاستهتار بالبلاد وحربها وعائلات الشهداء المقيمين في المدينة». ويتابع الرجل: «بتنا ننشد محاولات لفتح الطرق بين القرى، بدل عزلها عن بعضها بعض على نحو عشوائي. إنه أمر سيّئ أمنياً أيضاً».
وفي منطقة محيطة بحقل شاعر الاستراتيجي للغاز، إلى الشمال من مدينة حمص، يصل صوت خليل مرتجفاً. الضابط في الجيش السوري، الذي يرابض مع عناصره، شمال مطار الـ«تي فور»، لحماية الآبار المسيطر عليها أخيراً من قبل الجيش، يشرح الوضع بالتزامن مع وصول العاصفة إلى صحراء حمص. «أصبح من الضروري إشعال نار للتدفئة، قرب الخيام التي نقيم فيها. غير أن مشاكلنا أضحت، إضافة إلى المسلحين، حماية الخيمة، من احتراقها جرّاء النار المشتعلة، أو اقتلاعها بفعل الرياح العنيفة التي تعصف من حولنا محمّلة بغبار الصحراء»، يقول. ويتمنى الضابط والعسكريون في المنطقة، هطول الأمطار لغسل الغبار المحيط بهم من كل صوب، وريّ المنطقة العطشى، برغم ما قد يجلبه ذلك من معاناة إضافية خلال إقامتهم في الخيام. إقامة صعبة يتشارك فيها الجنود، مع أعداد كبيرة من السوريين في كل مكان، ممن خسروا استقرارهم في بلادهم، وضاعوا في الشتات.