في الذكرى الخامسة عشرة لحرب الانفصال التي شهدها اليمن عام 1994، وقبل أشهر من الذكرى التاسعة عشرة لإعلان الوحدة اليمنية، خرج الرئيس علي عبد الله صالح ليحذّر من خطر تفتّت البلاد إلى دويلات
جمانة فرحات
قبل أيام قليلة، حذّر الرئيس اليمني، علي عبد الله صالح، من مواجهة اليمن أوضاعاً سياسية صعبة تهدّد بتفتيته وتحويله إلى نموذج عراقي أو صومالي جديد. ولم يأت هذا التحذير من فراغ، فالسنوات القليلة الماضية كانت حافلة بالأحداث المثيرة للقلق، وهي تتوزّع على الجنوب والشمال معاً؛ فبينما لا تزال نيران الاشتباكات بين الجيش اليمني وأتباع حركة تمرّد الحوثي في محافظة صعدة (شمال) مشتعلة، تفجّرت الأحداث في الجنوب، وتعالت الأصوات المطالبة بالانفصال والعودة بالوضع إلى ما قبل عام 1990.
في ظل هذه الأوضاع، أطلق صالح تصريحاته التي دعا فيها إلى نبذ كل الأفكار المتعلقة بتقسيم اليمن، مشدداً على أن أي تحرك في هذا الاتجاه سيجعل الدولة تنهار، قائلاً «إن اليمن لن يكون شطرين فقط شمالياً وجنوبياً، بل ستكونون قرى وعزلاً ودويلات، وستتقاتلون من باب إلى باب ومن طاقة إلى طاقة». وأرجع التحركات الجنوبية إلى تدخل قوى خارجية «حاقدة على الوحدة». واتهم القوى التي تقود التظاهرات في الجنوب بـ«العمالة للاستعمار البريطاني».
ورداً على خطاب صالح، أعلنت ثلاث قوى من الحراك الجنوبي، الذي يتولى تنظيم التظاهرات في المحافظات الجنوبية، هي «المجلس الوطني الأعلى لتحرير واستعادة دولة الجنوب المستقلة» و«الهيئة الوطنية العليا للاستقلال» و«الهيئة الوطنية للنضال السلمي الجنوبي»، اتفاقها على إنشاء «الجبهة الوطنية المتحدة للنضال السلمي لتحرير واستقلال واستعادة دولة الجنوب»، داعيةً أبناء الجنوب اليمني إلى دعم وحدتهم والانخراط فيها.
وأشار بيان تأسيس الجبهة إلى أن «الهدف الرئيسي هو التحرير والاستقلال واستعادة دولة الجنوب». وأخطر ما خلص إليه البيان وصف السطات اليمنية بـ«الاحتلال». وجاء فيه «إذ تحيي (الجبهة) الدور الوطني الكفاحي لأبناء ردفان البواسل في مواجهة جبروت الاحتلال، فإنها تدين بشدة الإجراءات القمعيّة لسلطة الاحتلال، واستخدام القوة المفرطة بحق أبناء ردفان العزل وكل أبناء الجنوب».
كما رحبت الجبهة بانضمام الشيخ طارق الفضلي «إلى ثورة شعبه السلمية التحررية». وهو ما أثار علامات استفهام بشأن الدور الذي قد يؤديه تنظيم «القاعدة» في دعم الدعوات الانفصالية، وخصوصاً أن الفضلي الذي انشق عن الحزب الحاكم، ارتبط اسمه بتنظيم «القاعدة» وزعيمه أسامة بن لادن منذ مشاركته في «الجهاد» في أفعانستان ضد الاتحاد السوفياتي. هذه المخاوف عبّر عنها عدد من قادة المعارضة الجنوبية، بينهم الصحافي منير الماوري، الذي رأى «أن الخطر على الحراك هو من ماضي طارق الفضلي». ورغم الاختلاف على ماضي الفضلي، هناك إجماع على أن انضمامه يمثّل دفعة قوية للتيار الانفصالي. ورأى الصحافي المتخصص في الجماعات الإسلامية، نبيل البكيري، أن انضمام الفضلي «يكسب الحراك الجنوبي قوة باتت تمثّل قلقاً كبيراً للنظام اليمني وخطراً على الوحدة اليمنية».
ويجمع المراقبون على أن خروج أبناء الجنوب في تظاهرات متواصلة منذ عام 2006 للمطالبة بانفصال الجنوب عن الشمال، ليس من دون أسباب، بل هو نتيجة تراكم مجموعة من الأخطاء فشل صالح في معالجتها، لتتحول من مجرد مطالب اجتماعية إلى تحرك سياسي يهدد وحدة اليمن. وفي مقدمة هذه الأخطاء الإهمال الواضح للمناطق الجنوبية وتهميشها في عملية صنع القرار، إضافةً إلى قيام السلطات بإقصاء مئات الآلاف من الموظفين المدنيين والعسكريين من مواقعهم الوظيفية في الجنوب بعد حرب عام 1994 ورفض تسوية أوضاعهم. وهو ما دفع القوى الداعية إلى الانفصال إلى رفع الصوت عالياً ضد «نهب ثروات الجنوب اليمني الذي تمارسه السلطة المركزية في الشمال». وعلى الرغم من وجود أزمات خطيرة في اليمن، فإن القضية الجنوبية تحتل أهمية بالغة نظراً لآثارها الخطيرة على وحدة البلاد واستقرارها، وخصوصاً أن تطورات الأوضاع في المحافظات الجنوبية تنذر بعودة الاقتتال الداخلي، مع تحول العديد من التظاهرات خلال الأيام الأخيرة، وتحديداً في محافظات لحج وأبين والضالع، إلى ساحة لاشتباكات بين المتظاهرين والقوات اليمنية ووقوع قتلى وجرحى بين الطرفين. ولم يستبعد المعارض اليمني، حسن باعوم، عودة الحرب الأهليّة، إذ أشار إلى أنه إذا «أدت (الأمور) إلى أن نواجه هذا النظام بالسلاح فسنواجهه».
أمام هذا الواقع، يبدو أن الوضع اليمني على حافة الانفجار، واحتواؤه لا يكون عبر الإيعاز إلى وزارة الدفاع بتأليف هيئات شعبية ووطنية للدفاع عن الوحدة بين الشمال والجنوب، ولا سيما أن الأزمة في اليمن ستمتد إلى خارج الحدود، وخصوصاً السعودية، التي تخشى من تداعيات احتمال حصول أي انفصال على أمنها القومي. خشية دفعت البعض إلى القول إن حدوث انفصال سيكون بمثابة «زلزال هائل على أمن المنطقة كلها».


مسار متعثر للوحدة

وقّع الرئيس اليمني، علي عبد الله صالح (الصورة)، إعلان الوحدة اليمنية مع رئيس الشطر الجنوبي، الأمين العام السابق للحزب الشيوعي، علي سالم البيض، في 22 أيار 1990. وبموجب اتفاقية الوحدة أصبح الشطران الشمالي والجنوبي، اللذان كانا يُعرفان سابقاً بالجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية، يمناً واحداً. وأصبح علي عبد الله صالح رئيساً لمجلس رئاسة اليمن الموحد، وعلي سالم البيض نائباً له.
إلا أنه منذ ذلك التاريخ ظهرت مجموعة من الخلافات أبرزها عام 1993 عندما توقف البيض عن ممارسة مهمّاته في صنعاء، واعتكف في مدينة عدن. وتخلل تلك الفترة تعرض عدد من كوادر الحزب الشيوعي لاعتداءات ومحاولات اغتيال، جرى احتواؤها من خلال توقيع وثيقة العهد والاتفاق في الثامن عشر من كانون الثاني من عام 1994 في العاصمة الأردنية. ولكن الأزمة تفجّرت من جديد في شهر نيسان من العام نفسه، عندما ظهرت دعاوى جديدة للانفصال في وادي دوفس في محافظة أبين الجنوبية وأدت إلى وقوع مناوشات مسلحة بين القوات الموالية لصالح والبيض، توّجت بحرب دموية شرسة عُرفت بحرب الانفصال أو حرب الألف ساعة. استمرت لمدة شهرين، وانتهت بهزيمة الجنوبيّين بقيادة الحزب الاشتراكي وتشتّتهم في الخارج بعد تسليمهم سلاحهم للقوات الحكومية، لتُعاد الوحدة مرة ثانية في 7 تموز 1994. ومنذ تشرين الأول 1994، أصبح صالح الرئيس اليمني بعدما كان لقبه «رئيس مجلس الرئاسة».