Strong>سياسات انفتاحية عشوائية تتكلل أخيراً بقرار استيراد «البالات»!1293 مصنعاً للنسيج والألبسة الجاهزة في لبنان أصبحت 150 مصنعاً... الأرقام أبلغ من الكلام، كما يردد أصحاب السياسات الاقتصادية الهدامة، إلا أن الأبلغ من الأرقام هو واقع هذا القطاع الذي بدأ بالاندثار، من دون أن تشعر وزارة الصناعة ولا الحكومة جمعاء بويلات الصناعيين، ومن دون أن تتحسس مع أزماتهم

رشا أبو زكي
ـــــ انخفض عدد مصانع الألبسة والمنسوجات في لبنان بين عامي 1999 و2002 من 1293 إلى 700 مصنع، بحسب إحصاءات جمعية الصناعيين.
ـــــ بين عامي 2002 و2004 وصل عدد المصانع إلى 388 مصنعاً.
ـــــ ثم كانت الأزمة الكبرى في حرب تموز حيث تضرر العدد الأكبر من المصانع... ولم يبق إلا أقل من 200 مصنع.
ـــــ وفي العامين الأخيرين غادر الحلبة الإنتاجية 53 مصنعاً للألبسة والمنسوجات.
وهكذا أصبح عدد مصانع الألبسة في لبنان لا يتعدى 150 مصنعاً، والأسباب كلها محصورة بسياسات الحكومات المتعاقبة التي عاصرها فؤاد السنيورة وزيراً للمال (1992ـــــ 2004) ثم رئيساً للحكومة (2005ـــــ 2009). وها هو قرار مجلس الوزراء الأخير الذي ألغى قرار مجلس الوزراء الرقم 69 تاريخ 20 أيلول 2004 القاضي بمنع استيراد الألبسة المستعملة، يعيد إلى الذاكرة سلة من القرارات الحكومية التي أدت إلى تدهور القطاع الصناعي في الألبسة والنسيج، إذ إن الكميات الضخمة المستوردة من ثياب «البالة» هي بالواقع ثياب جديدة تُعَلّب وتُستورد إلى لبنان، ومن ثم يعيد التجار الكبار (لا يتعدون 20 تاجراً محسوبين على تيارات سياسية فاعلة) تعليبها وتغليفها لتُباع على أنها ثياب جديدة بأسعار تؤدي إلى منافسة الإنتاج الوطني بطريقة غير مشروعة...

نحو الانقراض

فقد أدت إزالة الحكومة في عام 2000 الرسوم الجمركية عن استيراد الأقمشة والخيوط، إلى تدهور مطلق في قطاع صناعة الغزل والنسيج في لبنان، لينخفض عدد المصانع من 15 مصنعاً في عام 1995 إلى 10 مصانع في أواخر عام 2000، ليتناقص عددها إلى مصنعين فقط حالياً، مع تراجع عدد العمال من 2500 عامل إلى 46 عاملاً فقط! والمصنعان الباقيان هما مصنع فتح الله سالم في الضاحية الجنوبية، ومغازل جبل لبنان في الزلقا الذي يملكه هاني أبو جودة والذي يشير في حديث مع «الأخبار» إلى أن مصنعه تحول عن صناعة الغزل والنسيج إلى التجارة، بعدما أُصيب القطاع بانهيار كبير في عام 2000 نتيجة إزالة الرسوم الجمركية عن استيراد الأقمشة والخيوط، إذ بدأت مصانع الألبسة باستيراد الخيوط من الخارج. إلا أن الأزمة ما لبثت أن لحقت بالمصانع، بعدما قرر مجلس الوزراء في عام 2002 خفض الرسوم الجمركية على استيراد الألبسة الجاهزة لتصبح شبه رمزية، إضافة إلى بدء تطبيق الضريبة على القيمة المضافة. ويلفت أبو جودة إلى أن صناعة الغزل والنسيج كانت تغطي 40% من الاستهلاك المحلي، وها هي اليوم في حالة مزرية، لافتاً إلى أنه أغلق مصنعه بعدما حصل على قرض لتنمية صناعته وبعدما اشترى معدات جديدة، مشدداً على أن القطاع ينقرض كما انقرضت صناعة الحرير في لبنان، ومشيراً إلى أن قلة من المستوردين يتحكمون بالقرارات المتعلقة بالاستيراد والتصدير، عبر الاحتكار والتمتع بالتغطية السياسية والمالية.
أما مدير مكتب تجمع صناعيي الضاحية مرتضى شاهين فيلفت إلى أن مصانع الألبسة والنسيج تتركز في الضاحية الجنوبية وبيروت، وبعدما أُغرقت السوق المحلية بقرارات حكومية متتالية، وبعد حرب تموز لم يبق من حوالى 500 مصنع في الضاحية سوى 100 مصنع. ويشير شاهين إلى أن صناعة الألبسة عانت الكثير، وخصوصاً في ظل قرارات خفض الرسوم الجمركية على المصنوعات الجاهزة في مقابل الإبقاء على الرسوم المرتفعة على المواد الأولية والمعدات اللازمة لهذه الصناعة، مشدداً على أن أكثر من 90% من المؤسسات الصناعية للألبسة كانت تصدّر منتجاتها للأسواق الخارجية وخصوصاً الكويت وفرنسا والسعودية، أما اليوم فالإنتاج انخفض ولا يكاد يغطي نسبة قليلة من الاستهلاك المحلي.

الصين... والحكومة

بدأت شركة وحيد للصناعة والتجارة «روتكس» التي يملكها عصام وحيد، عملها في عام 1976، وكان المصنع ينتج 20 ألف سروال و15 ألف قميص، وبين عامي 2002 و2003، بدأ حجم الإنتاج في التراجع بسبب خفض الرسوم على الثياب الجديدة المستوردة، وزيادة نشاط مستوردي الثياب الجديدة تحت ستار «ثياب مستعملة»، وكان المصنع بحسب وحيد، من أكبر مصانع الألبسة في لبنان، وكان يشغل أكثر من 60 عاملاً، وإذا بسياسة التجارة الحرة تؤدي إلى انهياره، فانخفض عدد السلع المنتجة إلى 5000 سروال و3000 قميص، وتراجع حجم اليد العاملة إلى 15 عاملاً فقط! ولم تقف مشكلات وحيد عند هذه الأزمات، بل تعرض مصنعه لخسائر بمليونين و400 ألف دولار نتيجة حرب تموز، ولا يزال حتى اليوم من دون تعويض! ويلفت وحيد إلى أن إعادة السماح باستيراد الألبسة المستعملة ستؤثر بحوالى 70% على القطاع «لأن معظم الكميات المستوردة جديدة وليست مستعملة، وهي زهيدة الثمن ومعفاة من الرسم النوعي»!
والأسباب نفسها كانت سبباً في إقفال شركة الهدف العالمية، وهي شركة ألبسة كانت تحصل على مناقصات لتصنيع الألبسة العسكرية في لبنان، إضافة إلى الألبسة الرسمية للفنادق والمطاعم وغيرها في الخارج. هذه الشركة التي أنشئت في عام 1998، بدأت تشهد أولى مراحل الانهيار بين عامي 2003 و2004، حيث انخفض الإنتاج نتيجة الاتفاقات التجارية المجحفة وعدم التزام المؤسسات الرسمية باعتماد الصناعات المحلية بنسبة 40%، وجاءت حرب تموز لتمحو آثار هذه المؤسسة الصناعية كلياً، بعدما خاضت هي الأخرى حرباً مع ارتفاع كلفة الإنتاج وارتفاع الرسوم الجمركية على المواد الأولية.
أما مسؤول مصنع القمصان «ماكسيموم» محمود ياسين، فيشير إلى أن المصنع فتح أبوابه في عام 1987 ليبدأ بالإنتاج الفعلي في عام 1990، ويلفت إلى أن تأثيرات الأزمة الصناعية بدأت في عام 1996، حيث كان الرسم الجمركي على القماش 22%، ومن ثم أُلغي هذا الرسم وأُبقيت الرسوم على المواد الأولية الأخرى، واستكملت الحلقة بخفض الرسوم على استيراد الألبسة الجاهزة، فكان أن انخفض إنتاج المصنع 40% تقريباً. ويشير ياسين إلى أن مصنعه كان ينتج 70% من الألبسة للسوق المحلية و30% للخارج، وبعد الإغراق الذي أصاب السوق اللبنانية انقلبت المعادلة عكسياً.

/a>