strong>يقوم البابا بنديكتوس السادس عشر، الأسبوع المقبل، بزيارته الأولى إلى الأراضي المقدسة؛ ومقابل تعاطفه مع إسرائيل الذي أبداه في أكثر من مناسبة، عليه أن يؤكد للفلسطينيين أن الفاتيكان لم يتخلّ عن قضيتهم
تزامناً مع زيارة البابا بنديكتوس إلى فلسطين والأراضي المحتلة ما بين 11 و15 أيار، يُثار جدل داخل الدولة العبرية حول ضرورة حل الأزمة المتعلقة بالتنازل عن «السيادة» الإسرائيلية على أماكن مسيحية مقدسة محتلة لمصلحة الفاتيكان، وسط أنباء عن أن برنامج الزيارة للأماكن الفلسطينية سيكون خاطفاً. وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي، أمس، أن مسؤولين في مكتب الرئيس شمعون بيريز، توجهوا إلى مكتب وزير الداخلية، إيلي يشاي، من حزب «شاس»، وطلبوا منه توقيع أوامر تنازل عن «السيادة» على أماكن مسيحية مقدسة، إلا أن يشاي رفض. وأشارت إلى أن مكتب بيريز يواصل ممارسة ضغوط على يشاي. وفي موازاة ذلك، يدرس المسؤولون في مكتب بيريز بدائل قانونية تسمح بتنفيذ الخطوة من دون تصديق وزير الداخلية عليها.
ونقلت الإذاعة عن مصدر في مكتب بيريز قوله إن المفاوضات حول مكانة الأماكن المقدسة تجرى منذ أكثر من عشر سنوات، وإنه «حان الوقت للتنازل إلى الفاتيكان والتوصل إلى اتفاق». وفي السياق، قال الوزير السابق، يوسي بيلين، إن «سلوك الجانب الإسرائيلي لم يكن لائقاً خلال السنوات الأخيرة، وعلينا تقديم تنازلات للفاتيكان»، لافتاً إلى «أننا تقاعسنا، لا في هذا الموضوع فقط، وإنما في ما يتعلق بموضوع الضرائب (المفروضة على الكنائس) وفي موضوع مكانة الكنيسة في إسرائيل وفي سلسلة من المواضيع الهامة».
في المقابل، أكد مصدر من مكتب وزير الداخليّة أن يشاي «يعارض التنازل عن السيادة»، وأن «أي تنازل كهذا يقيد قدرة حكومة إسرائيل كحكومة سيادية بالعمل في هذه المناطق»، مشدداً على أن «هدف زيارة البابا لن يتضرر حتى من دون التنازل عن السيادة».
ومن بين الأماكن التي يطالب الفاتيكان بالسيادة عليها، الكنيسة اللاتينية في جبل طابور الواقع شرق مدينة الناصرة وجبل التطويبات وكفار ناحوم وكنيسة الخبز والسمك في منطقة طبرية وكنيسة الجسمانية في القدس وكنيسة البشارة في الناصرة.
ومن شأن التنازل عن «السيادة» على هذه الأماكن أن يمنحها مكانة خاصة، فتصبح من الناحية القانونية تابعة لدولة الفاتيكان، ما يعني أن إسرائيل لن تتمكن من تنفيذ أعمال، مثل شق شارع أو مد أنبوب مياه أو صرف صحي من دون موافقة الفاتيكان.
وكان قد وقّع اتفاق أساسي في 30 كانون الأول 1993 أوكل إلى لجنة مشتركة عناية حل المشاكل الاقتصادية ومشاكل ملكية الكنيسة الكاثوليكية، ولا سيما في الأراضي التي احتلتها إسرائيل منذ 1967. وهذه اللجنة لم تتوصل أبداً إلى حل وأوقفت أحياناً اجتماعاتها على مدى أكثر من عشر سنوات.
وشهدت المفاوضات التي استؤنفت عام 2004 عدة تقلبات. وأتاح آخر اجتماع عُقد في 30 نيسان من العام نفسه في القدس المحتلة تسجيل «تقدم كبير». وقد أعرب المفاوضون عن عزمهم على مواصلة جهود التعاون والاجتماع في 10 كانون الأول المقبل في الفاتيكان، ما يعني أنه لن يتم التوصل إلى أي اتفاق قبل زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر إلى إسرائيل.
وندد الفاتيكان بانتظام بسياسة الضم التي تطبقها البلدية الإسرائيلية في القدس الشرقية وبالضغوط التي تمارس على بعض الإرساليات لكي تتخلى عن أملاكها. إضافة إلى ذلك، فإن دعوة الفاتيكان المستمرة إلى المصالحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وعلاقاته الوثيقة مع الأقلية الكاثوليكية الفلسطينية، تجعل من موقع الكرسي الرسولي حساساً لجهة الدولة العبرية. فهو يحرص على المحافظة على الوجود المسيحي في «موطن السيد المسيح على الأرض»، على ما يقول بنديكتوس السادس عشر، فيما الهجرة المتواصلة للمسيحيين الفلسطينيين بسبب ظروف العيش الصعبة تهدد بزوالهم عن هذه المنطقة. ومع أن الفاتيكان لم يأت يوماً على ذكر دولة فلسطينية، فإن مجرد اهتمامه المعلن هذا كفيل بدفع إسرائيل إلى الارتياب أحياناً واتهام الفاتيكان ببعض الانحياز. وبدت زيارة البابا، التي أعلنت قبل أشهر، مهددة لفترة بسبب العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة. وقال الكاردينال فالتر كاسبر، المكلف العلاقات مع اليهودية، حينها إن مشروع الزيارة «أصبح معقداً بسبب أحداث غزة».
ومن المواضيع الحساسة التي يمكن أن تُثار أيضاً خلال زيارة البابا لإسرائيل، مسألة البابا الأسبق، بيوس الثاني عشر. وقد حاول ممثل الفاتيكان في الأراضي المقدسة، أنطونيو فرانكو، التخفيف من حدتها، قائلاً إن «الزيارة ليست لوقت من أجل المشاجرة في هذا أو ذاك»، مشيراً إلى «وجود لجنة يهودية كاثوليكية مشتركة تعمل جاهدة من أجل حلّ الجدل القائم حول ما إذا كان البابا بيوس الثاني عشر فعل ما فيه الكفاية كي يمنع المحرقة».
وخلال الزيارة سيطّلع البابا على جانب من حياة الفلسطينيين، فيزور مستشفى للأطفال تديره جمعية «كاريتاس»، ومخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين في بيت لحم في 13 أيار. لكن أحد الكرادلة، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، قال إن «البرنامج المقرر للشق الفلسطيني من الزيارة سريع جداً، ولن يكون للبابا اتصال بواقع السكان الفلسطينيين».
(أ ب، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)