السيولة بالليرة تحوّلت إلى مشكلة لا تُحلّ إلا بـ«الدعم»
التوقعات المتصلة بتداعيات الأزمة المالية العالمية على لبنان تفيد بأن مصارف لبنان تواجه تحدّي التسليف بالليرة في ظل ارتفاع كلفته مقارنة مع كلفة التسليف بالدولار بـ4 نقاط مئوية، وارتفاع مستوى الودائع بالليرة، فيما تبدو المصارف مشغولة بالحفاظ على مستوى الربحية الذي سجّلته في السنوات السابقة، مطالبة بدعم فوائد القروض بالليرة.


تفعيل التسليف

ففي مناسبتين منفصلتين، عبّر حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، ونائبه الرابع، هاروتيون ساموئليان، عن هذا الواقع، إذ قال سلامة في حوار نظمته الجامعة اللبنانية الألمانية، أول من أمس، إن لبنان «يشهد تحولاً هاماً للأموال باتجاه المصارف المحلية، والأهم من ذلك تحويل هذه الأموال من الدولار إلى الليرة، إذ اشترى مصرف لبنان 8 مليارات دولار في عام 2008 و3 مليارات في الأشهر الثلاثة الأولى من 2009، فتراجعت دولرة الودائع من 77 في المئة إلى 67 في المئة». ولذلك يهتم «المركزي» حالياً «بتفعيل التسليف بالليرة»، ولا سيما بعدما بلغت احتياطاته بالعملة الأجنبية 22 مليار دولار.
وفي مؤتمر نظّمته «داتا انفست أرابيا»، أمس، في الهوليدي إن ـــــ فردان بعنوان «منتدى لبنان الاقتصادي»، أعرب ساموئليان عن تطلّع «المركزي» إلى توسيع دائرة التحفيز للتسليف المحلي، لأن زيادة 10 في المئة في التسليف للقطاع الخاص من شأنها دعم الاستقرار الاجتماعي والنمو لعام 2009، لافتاً إلى «مشروع تجري مناقشته مع الحكومة لخفض كلفة التسليف بأي عملة، وخصوصاً بالليرة عن طريق دعم فوائد التسليفات الإضافية للقطاعات الإنتاجية ومنح إعفاءات مقابلة في الاحتياط
الإلزامي».
يتبين أن النمط الذي اعتمدته المصارف ومصرف لبنان لتحفيز التحويل من الدولار إلى الليرة بات يمثّل مشكلة للأولى، إذ بدأ يتوافر لديها كميات كبيرة من النقد بالليرة. ولن يكون سهلاً استيعاب نتائج هذا النمط من دون أي كلفة، ولذلك يسوّق الطرفان لحلّ يقوم على دعم الفوائد من أجل تحفيز التسليف بالليرة. فقد أوضح مدير قسم الأبحاث الاقتصادية في «بنك عودة» مروان بركات، خلال المنتدى المذكور، «أن القطاع المصرفي يتعرض لضغوط على الربحية، والتحدي اليوم يكمن في الحفاظ على مستويات الربحية السابقة في ظل تباطؤ النشاط الاقتصادي، علماً بأن لدينا مشكلة وفر بالليرة اللبنانية».

أي تحفيز؟

هناك نوعان من التحفيز مطروحان، الأول عبر مصرف لبنان، ويناقش آلية محددة لإعفاء المصارف من الاحتياط الإلزامي لقاء تسليفات معينة، والثاني دعم توفّره الدولة مباشرة، أي يتم تمويله من الخزينة العامة.
ويعتقد سلامة أن تحفيز الإقراض بالليرة، يعزّز دور مصرف لبنان في الاقتصاد الوطني، لكن لم يصبح واضحاً بعد أي نوع من التحفيز سيعتمده «المركزي» مع الحكومة، علماً بأن بعض العاملين في قطاعات إنتاجية تشككوا في هدف دعم الفوائد المصرفية اليوم، علماً بأن حاجة القطاعات إليها ليست ناشئة أو حديثة.
ويعتقد ساموئليان أن المؤشرات المصرفية المسجّلة في نهاية عام 2008 تفيد بأن النموذج المصرفي في لبنان «قادر على مواجهة الأزمات الداخلية ولديه المناعة الكافية لمقاومة الأزمات الخارجية ولن يتأثر جوهرياً بأي توجهات، إذ إن الأموال الخاصة للمصارف ارتفعت إلى أكثر من 7 مليارات دولار، وأيضاً ارتفعت السيولة الجاهزة في القطاع إلى 26 مليار دولار، وبلغت الملاءة المالية 12 في المئة وفقاً لمتطلبات بازل 2».
لكن بركات يرى أن تراجع نسبة الدولرة ساهم في تكوين قدرة لمصرف لبنان على التدخل لشراء 80 في المئة من الكتلة النقدية الموجودة في السوق المحلية بالليرة، وذلك عبر الاحتياط السائل بالعملات الأجنبية الذي بلغ 22 مليار دولار.
إلا أن هذا الأمر لا يعيد للعملة المحليّة دورها في الاقتصاد الوطني، فالمطلوب أن تستعيد الليرة دورها الإقراضي لتنسحب نسب دولرة الودائع على نسب دولرة التسليفات، وخصوصاً أن العملة الأساسيّة المستخدمة في التسليف كانت الدولار.
وفي الواقع لم تنمُ الكتلة النقدية بالدولار في السوق المحليّة، فيما الاقتراض بهذه العملة بات صعباً بسبب الأزمة المالية العالمية وتداعياتها والشح في السيولة العالمية بالدولار، وذلك بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الفوائد على الليرة بأربع نقاط مئوية، مقارنة مع نسبة الفوائد على التسليفات بالدولار.
(الأخبار)