يرفض العمال وأصحاب العمل انضمام لبنان إلى منظمة التجارة العالمية WTO خوفاً من تحرير سوق العمل، وإقفال المزيد من المصانع والمؤسسات على غرار «يونيسراميك» وتدهور التصدير حين أُلغيت الروزنامة الزراعية
محمد وهبة
نظّمت منظمة العمل الدولية وشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية والاتحاد الدولي للنقابات بالتعاون مع الاتحاد العمالي العام وجمعية الصناعيين طاولة مستديرة أمس في فندق سفير في بيروت لمناقشة تأثيرات انضمام لبنان إلى منظمة التجارة العالمية، وقد أجمع المشاركون، ما عدا فريق وزارة الاقتصاد والتجارة، على وجود آثار اقتصادية واجتماعيّة سلبيّة بالغة ستنجم عن التزامات لبنان بعد انضمامه إلى المنظمة، ولا سيما على سوق العمل. إذ إن هذه الالتزامات تسمح بدخول العمالة المتخصصة في الوقت الذي تضغط فيه على القطاعات، فتقلّصها لمصلحة المستوردات، ما يؤدّي إلى إقفال الكثير من المؤسسات وخسارة الكثير من الوظائف.
لكن الملاحظة الأساسية التي خرجت بها الورشة تتمثّل في ما قاله الخبير في التنمية أديب نعمة، الذي أشار إلى أن الحكومات المتعاقبة أصرّت على اتخاذ إجراءات قبل بدء عملية الانضمام مهّدت للنتائج السلبية، ما أفقد لبنان عناصر القوة في المفاوضات، وأتت الأزمة المالية العالمية لتغيّر بعض المفاهيم، فهي دفعت باتجاه تعديلات «تصوّب» عمل صندوق النقد الدولي، وربما تدفع أيضاً باتجاه تعديلات مماثلة على الالتزامات المطلوبة من الدول النامية للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.
واتُّفق في الورشة على أن لبنان شهد مقداراً كبيراً من الانفتاح والتحرير قبل بدء مفاوضات الانضمام، ما يعني أن المشكلة تكمن في «الارتجالية» التي تتّسم بها أعمال الحكومات المتعاقبة، وهذا ما يظهر بوضوح من خلال خفض الرسوم الجمركية عام 2000 إلى مستوياتها الدنيا، وذلك عشية توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
وهذه النقطة كانت محور سجال بدأ في الجلسة الأولى التي أدارتها كندة محمدية من شبكة المنظمات، إذ قالت مديرة مشروع الأمم المتحدة الإنمائي في وزارة الاقتصاد لما عويجان، إن انضمام لبنان لم يؤدّ إلى «ضرر أساسي في قطاع معيّن»، مشيرة إلى أن الجهات المعنية لم تتلقّ أي اعتراض من أي طرف على ضررٍ ما أصابه من جراء التفاوض على الانضمام إلى منظمة التجارة، ولفتت إلى تقصير القطاع الخاص في المشاركة في المفاوضات، كما حمّلت مشكلة مصنع «يونيسراميك» لأصحابه الذين استثمروا مبالغ كبيرة على الرغم من اطّلاعهم على الإجراءات المتّخذة.
وأوضحت ريما الخطيب (من الفريق نفسه) أن لبنان يرفض أن يتنازل أو يرضخ لأي إجراء يُضر بالمصلحة العامّة.
التعقيب على هذا الكلام كان لممثلة الاتحاد الدولي لنقابات العمال استير بوسر، التي أوضحت أن أي التزام «غير قابل للعكس»، فيما لا يمكن «أن نساوي بين الدول النامية والمتقدمة». لكن الخطر كما تقول، يكمن في هدف الانفتاح الذي يحدّد قدرة الدول النامية، فإذا كان «الطرف الآخر أقوى لن تكون الالتزامات سوى تمهيد مبني على حسابات المكاسب والأرباح، وبالتالي تحدّ الالتزامات من قدرة الدولة على تطوير قطاعاتها مستقبلاً. وفي النهاية هناك من يرسل المال لاستمرار المفاوضات».
أثار كلام عويجان والخطيب حفيظة ممثلي العمال وأصحاب العمل، ولا سيّما بعدما حمّلتا معمل «يونيسراميك» مسؤولية الإقفال لأنه «لم ينسجم مع الانفتاح». فأوضح المدير العام للجمعية سعد عويني أن المصنع تقدّم بطلب لوضع رسوم حمائية على استيراد البلاط، ولكن وزارة الاقتصاد رفضت، ثم تقدّم 16 مصنعاً مختلفاً بطلبات مماثلة رفضتها أيضاً. وأشار الصناعي هاني أبو جودة إلى صرف نحو 40 ألف عامل من 700 مصنع غزل ونسيج أُقفلت بعد خفض الرسوم الجمركية عام 2000 بالتوازي مع إلغاء برامج الدعم الصناعية، وبالتالي على أي دولة أن تأخذ بالاعتبار قدرة قطاعاتها على المنافسة. ويقول عويني إنه قبل بدء مفاوضات الانضمام «ارتفعت أكلاف الإنتاج الصناعي 20 في المئة، والتشريعات التي وضعت لم تكن في خدمة القطاعات، فهل رُفعت أي قضية تتعلق بالإغراق في لبنان فيما يعلم الجميع أن التجار يغرقون السوق ببعض أنواع السلع؟».
وفي الجسلة الثانية التي أدارها الزميل محمد زبيب، عرض رئيس اللجنة الفنية في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سمير عون للتحضيرات التي تواكب انضمام لبنان للمنظمة، فهناك مشروع قانون يتكرر دائماً في المجلس النيابي بعد أن يُرفض ويتضمن إعفاء الأسواق الحرّة من اشتراكات الضمان، استمرار استبعاد فئات جديدة عن الضمان... وتحدث عضو المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام بطرس سعادة وممثل جمعية المزارعين اللبنانيين طوني طعمة عن التأثيرات السلبية التي شملت سوق العمل والزراعة.
وفي نهاية الجلسة قال نعمة إن الباحثين أجمعوا على وجود نتائج سلبية لانضمام لبنان إلى منظمة التجارة العالمية، إلّا أن الواقع يفيد أنه لا يمكن تجاهل العولمة وإغلاق الحدود، وبالتالي فإن المطلوب أن نجد الصيغ المناسبة للعولمة، والعالم اليوم قد يكون مستعداً لإجراء تعديلات على مفاوضات الانضمام إلى المنظمة بعدما تبيّن له أن حجم التجارة العالمية هو مقدار بسيط مقارنةً بحجم الأسواق المالية العالمية، وبالتالي لدينا اليوم «حجّة واقعية تثبت وجهة نظرنا».