العمال الوافدون إلى عكار باتوا مكوّناً بنيوياً يكمل مخاطر تعثّر الإنتاج الزراعي في عكار ويفاقمه
عكار ــ روبير عبد الله
في سهل عكار، لم يكن ينقص عمال الزراعة الأكثر فقراً في لبنان إلا مزاحمة عمالة وافدة لفظها الجفاف الطارئ على بعض المحافظات السورية في الحسكة والقامشلي ودير الزور، على مدى العامين الأخيرين. ففي الواقع، يعجّ مخيم البلانة، بالقرب من «بلانة الحيصة»، بعشرات الخيم التي تأوي مئات العمال السوريين، رجالاً ونساءً وأطفالاً. وعلى بعد كيلومترين، هناك مخيم المحطّة وغيره الكثير في سهل عكار. وكلٌ منهم يعمل لقاء 10 آلاف ليرة يومياً أو 1300 ليرة في الساعة.
في الأصل هم من عشائر البدو الذين استوطنوا قرى سوريا وأريافها، لكنّ ظروفهم المعيشية اضطرتهم إلى العودة مجدداً إلى ما يشبه حياة البدو الرحّل. يقول أبو محمد، وهو أحد القاطنين في مخيم البلانة وأب لأربعة أولاد يعملون في الحقل المجاور للمخيم في قلع البطاطا، إنه كان يعيش «مستوراً» في إحدى قرى محافظة القامشلي، لكنّ الجفاف الذي ضرب بعض المناطق السورية على الحدود العراقية دفعه إلى بيع ما كان يملك من ماشية بأسعار زهيدة، بسبب نقص المرعى وارتفاع كلفة العلف المستورد، ثم جاء إلى لبنان، وذلك على الرغم من المشاكل التي واجهت العمال السوريين أخيراً. فالمصلحة متبادلة بين لبنان والعمالة السورية: «هم بحاجة إلى العمال، ونحن بحاجة إلى كسب لقمة العيش، ولتُترك السياسة لأصحابها».
والمخيم لا تقطنه أسر بأكملها، بل هو عبارة عن ورش عمّالية، وهناك شاويش مسؤول عن كل ورشة مكوّنة من 15 عاملاً، يتدبّر أمرهم ويتقاضى ألفي ليرة لبنانية عن كل ساعة عمل.
هذا المشهد لا يختزل حالة البؤس. ففي الجانب اللبناني يملك أبو يحيى من «بلانة الحيصة» أرضاً مساحتها 25 دونماً، ضمّنها بـ6 ملايين ليرة سنوياً لأحمد مامي الذي يستثمرها في زراعة البطاطا. لكنّ الموسم، كالعادة، لا يغطّي كلفة الإنتاج. فقد انخفض سعر كيلوغرام البطاطا فجأة إلى 500 ليرة بالمفرّق، نصفها يذهب إلى السمسار والتوضيب والتحميل فقط. فماذا عن ثمن البذار والحراثة والري والسماد...؟ ويقول أبو يحيى إن عوائد التأجير باتت أقل بكثير من فائدة ثمن الأرض. لكنّه يرفض بيعها بسبب موقف مبدئي، واحتمال تبخّر أي استثمار في قطاع إنتاجي بسبب غياب الحماية والضمانة.