محمد زبيبكيفما ستكون نتائج الانتخابات النيابية في السابع من حزيران المقبل، فإن الجميع يتفق على أن أربع كتل سياسية (مجتمعة أو متفرقة) سيكون لها التأثير الحاسم في تأليف الحكومات وتحديد اتجاهاتها العامّة، وهي: تيار المستقبل، حزب الله، حركة أمل، والتيار الوطني الحر... لذلك فإن المقارنة بين البرامج الانتخابية والتزامات الكتل النيابية الموقّعة في المنتدى اللبناني حول التنمية الاقتصادية والاجتماعية ستقتصر على الكتل الأربع المذكورة.
لقد عقد المنتدى جلسته الثانية في 21 و22 نيسان من عام 2008، وكانت الجلسة مخصّصة لمناقشة السياسات الاجتماعية، وخلصت إلى إصدار وثيقة ممهورة بتواقيع ممثلي 11 كتلة نيابية تضم 99 % من أعضاء المجلس النيابي والحكومة، من ضمنهم ممثلو الكتل الأربع... وتُلزم هذه الوثيقة كل الموقّعين العمل على:
- «إقامة نظام تأمين صحي أساسي موحّد وشامل للّبنانيين كافةً، إضافةً إلى مقيمين آخرين متى كان ذلك مناسباً، بإدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وبتمويل من الموازنة العامة، بعد إلغاء الاشتراكات الإلزامية في المؤسسات الصحية الرسمية ودمجها في سياق تصحيح الأجور. يتيح النظام المجال أمام مختلف برامج التغطية التكميلية والطوعية، القائمة أو المستقبلية».
هذا التوافق «المهم» جاء في ظل إقرار الجميع بفشل السياسات الحكومية المعتمدة في هذا المجال، إذ إن «النظام الصحي، بصورته العامة، يعاني شوائب اقتصادية عديدة، فهو مكلف نسبة إلى المنافع التي يولّدها، وهو مجزّأ إلى حد كبير مما يزيد من ارتفاع الكلفة»، ورأى المشاركون أنه «من غير المقبول أن يبقى أكثر من 50% من المقيمين في لبنان ونحو نصف القوى العاملة دون الاستفادة من أي تأمين صحي».
ولذلك، دعا المشاركون إلى تغييرات تجعل النظام «أكثر فعّالية»، مع التأكّد من «أن الفقراء أيضاً يمكنهم النفاذ إلى هذه الخدمات»، وتحقيقاً لهذا الغرض، دعوا إلى «تجميع المزوّدين بالخدمات الصحية مع تحوّل في دور وزارة الصحة من دور المزوّد إلى دور الناظم».
إن أهمية تحقيق هذا الالتزام لا تنحصر بتأمين «حق أساسي» لجميع المقيمين، بل تنسحب إلى التأسيس لدق «اسفين» في النظام الطائفي القائم على «الزبائنية» في توزيع الخدمات وتحديد المنتفعين منها، ولعل هذا ما يفسّر كيفية تعامل البرامج الانتخابية للكتل الأساسية الأربع:
- حركة أمل: عمد وزير الصحّة محمد جواد خليفة إلى «القوطبة» على هذا الالتزام سريعاً، وتقدّم بمشروع إلى مجلس الوزراء يرمي إلى تنفيذ «البطاقة الصحيّة» التي تصدرها وزارة الصحّة وتديرها، وهي أقرب إلى مفهوم «الضمان الاختياري» السيّئ الذكر، ويتناقض هذا المشروع مع الالتزام المذكور في كل جوانبه، فهو غير ملزم لكل اللبنانيين بسبب ارتكازه على مبدأ الاشتراك، فيما التغطية الصحية الشاملة تقوم على تمويل الموازنة، عبر الضريبة، للحد الأدنى من التقديمات المتفق عليها، ما يجعل كل اللبنانيين القادرين على تحمّل الأعباء وغير القادرين مشمولين بنظام التغطية، ولا سيما أولئك المهمّشين والضعفاء... كما أن المشروع يُبقي على دور وزارة الصحّة مزوّداً للخدمات، وهو ليس دورها، فيما الالتزام يقضي بإعادتها إلى دور المنظّم، وتمكين الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من أداء دور المزوّد للخدمة التي سيحظى بها جميع المقيمين من دون استثناء.
- حزب الله: على الرغم من إعلانه في برنامجه الانتخابي «أن الدولة يجب أن لا تستقيل نهائياً من دورها الرعائي، وأن لا تتصرّف بحيادية أو لا مبالاة تجاه احتياجات المواطنين»، فإنه اكتفى بالدعوة إلى العمل على تحسين التقديمات في مجال الصحة، عبر تفعيل قطاع الاستشفاء العام، وتعميم مبدأ الرعاية والوقاية الصحية، ووضع حدّ لاحتكار سوق الدواء، وتوحيد صناديق الاستشفاء ودعم تطوير وإصلاح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتوسيع قاعدة المستفيدين منه... أي إن حزب الله لم يوضح مدى التزامه بتوقيع ممثليه في المنتدى، الذين وافقوا على جعل التغطية الصحية شاملة وليس فقط توسيع قاعدة المستفيدين من تقديمات صندوق الضمان.
- تيار المستقبل: يطرح برنامجه الانتخابي شعاراً يرمي إلى «تأمين تقديمات صحية أساسية لكل المواطنين»، إلا أن الإجراءات التي يقترحها لتحقيق هذا الشعار لا تنسجم مع التزامات ممثليه في المنتدى، فهو يتحدّث عن «تأمين تمويل مناسب بين القطاعين العام والخاص لتوفير العناية الصحية»، فيما الالتزام يقضي بالتمويل عبر الموازنة حصراً، وإلغاء مبدأ الاشتراكات، وهو يدعو إلى توحيد كل الصناديق الضامنة في صندوق موحّد يسمّى «الصندوق الموحد للتقديمات الصحية» ليحل محل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذي ستنحصر مهمّاته بفرع التعويضات العائلية، وفرع الأمومة والمعاش التقاعدي، فيما الالتزام يقضي بالعكس، أي أن يتولى صندوق الضمان إدارة نظام التغطية الصحية الشاملة، أمّا نظام ضمان الشيخوخة، فتتولى إدارته مؤسسة جديدة مستقلة عنه.
- التيار الوطني الحر: وحده يلتزم، إلى حدّ كبير، ما وقّعه ممثلوه في المنتدى، إذ إن برنامجه الانتخابي يتضمّن فقرة تنص على إنشاء «نظام شامل للحماية الصحّية، طبقاً لتوصيات المنتدى اللبناني حول السياسات الاجتماعية»، ورأى أن هذا النظام «يقدّم الحلول لمسألة التغطية الصحية للمنتسبين الاختياريين إلى الضمان وأصحاب المؤسسات الفردية والعاملين بصورة غير قانونية والأشخاص في سن الشيخوخة والعاطلين من العمل».