اتفق ممثلو العمال وأصحاب العمل في مجلس إدارة الضمان على ربط تنفيذ قرار مجلس الوزراء زيادة التعرفات الاستشفائية بتوفير التوازن المالي للصندوق العاجز بنيوياً، إذ إن تنفيذه يكلف 100 مليار ليرة، وإقراره يرتّب مسؤولية قانونية
محمد وهبة
بات مؤكداً أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لن ينفّذ قرار مجلس الوزراء المتعلق باعتماد التعرفات الاستشفائية الموحّدة وتطبيق نظام البدل المقطوع للأعمال الجراحية، قبل أن يتبلغ من الحكومة كيفية تمويل الكلفة الإضافية الناجمة عن التنفيذ، التي تصل إلى 100 مليار ليرة، ومصادر تمويل هذه الكلفة. فقد ربط ممثلو العمال وأصحاب العمل في مجلس إدارة الصندوق موافقتهم على تنفيذ القرار بموضوع التوازن المالي، فيما فشلت محاولة مستشار رئيس الحكومة وممثل الدولة في المجلس رفيق سلامة لفصل التعرفات عن التوازن المالي. وإذا سقط تنفيذ القرار في مجلس الإدارة، كما يتوقع، تكون هذه المرة الأولى التي «يتمرّد» الصندوق على مجلس الوزراء، إذ إنه مؤسسة مستقلّة تموَّل ثُلاثياً، من العمال وأصحاب العمل والدولة، وتخضع للتوازن المالي بين الواردات والنفقات.
القصّة بدأت حين وافق مجلس الوزراء في 17 آذار 2009 على اقتراح وزير الصحّة محمد جواد خليفة زيادة تعرفة الإقامة في الغرفة العادية في المستشفى إلى 70 ألف ليرة واعتماد نظام البدل المقطوع للأعمال الجراحية بالتعرفة المعمول بها في وزارة الصحّة لكل المؤسسات الضامنة الرسمية، وبينها الضمان. وفي متن القرار أيضاً تعديل تعرفة المعاينات للأطباء.
في المجمل، رتّب هذا القرار على صندوق الضمان كلفة مالية تصل قيمتها إلى 100 مليار ليرة سنوياً، وبالتالي فإن تنفيذه يحتاج إلى مصدر تمويل واضح، لكن القرار لم يذكر شيئاً عن هذا الأمر. وفي المقابل، كان الصندوق يعاني من عجز مالي «بنيوي»، أي إن معدلات الاشتراكات لا تكفي لتمويل كلفة التقديمات المدفوعة للمضمونين، ما اضطر إدارته إلى اللجوء إلى سحب الأموال من فرع نهاية الخدمة سحباً غير قانوني منذ عام 2003 حتى اليوم.
بما أن الصندوق تبلغ رسمياً قرار مجلس الوزراء، كان لا بد من عرضه في مجلس الإدارة واتخاذ قرار بشأن تنفيذه، فعقدت جلسة استثنائية في نهاية شهر نيسان الماضي خصّصت لمناقشة القرار، فتبيّن بعد عرض المدير العام محمد كركي أن أعضاء مجلس الإدارة ممثلي أصحاب العمل والعمال يرفضون القرار رابطين تنفيذه بالتوازن المالي. وبحسب محضر الجلسة التي حصلت عليه «الأخبار» يظهر أن مستشار رئيس الحكومة وممثل الدولة في المجلس رفيق سلامة، حاول إمرار القرار عبر فصله عن موضوع التوازن المالي، فقد قال: «هناك التعرفة التي هي موحّدة، وعلينا إقرارها قبل أن تتخذ المستشفيات إجراءات ونصطدم معها... أما التوازن المالي فهو يهمّنا ويمكننا الاهتمام به لاحقاً».
أثار هذا الكلام عاصفة لدى ممثلي العمال وأصحاب العمل، فقال ممثل العمال جورج العلم: «الصندوق كان يأخذ المبادرة والآن يتلقى أوامر». وتساءل ممثل أصحاب العمل منير طبارة عن قدرة أرباب العمل على زيادة الاشتراكات بعد زيادة الأجور، وسأل مهدي سليمان عن الانعكاسات المالية للقرار، ووافق نائب الرئيس غازي يحيى على مطالعة رئيس اللجنة الفنية سمير عون الذي سأل: «من أين نغطي الكتلة المالية لتنفيذ القرار؟». وانسحب الأمر على مطالعة هاني أبو جودة وأمين السر الثاني بهجت قاننجي وإيلي شلهوب، وكلهم أصحاب عمل. ولم يوافق على هذا الطرح إلا سامي الشرتوني، وهو ممثل أصحاب المؤسسات الطبية، ومفوض الحكومة عبد الله رزوق الذي هوّل بأن «قرار الحكومة مُلزم للجهات المذكورة في متنه».
في المحصّلة كان رفض العمال وأصحاب العمل مبنيّاً على عنصرين مترابطين: بالنسبة إلى العمال، يحتاج القرار إلى توازن مالي، أي إن تنفيذه خاضع للمادة 66 التي توجب زيادة الاشتراكات لتوفير التوازن وتكوين مال احتياط دائم. وبالنسبة إلى أصحاب العمل، فإن أي قرار يتعلق بزيادة الاشتراكات مرفوض رفضاً قاطعاً، لأنه سيزيد «الأعباء» عليهم، وبالتالي إذا كانت الدولة تريد زيادة التعرفات للمستشفيات فلماذا لا تدفع كلفة التمويل، علماً بأن زيادة الاشتراكات مطروحة من سنين ولم تُقَرّ بسبب رفضها من الحكومة؟ وفي نهاية الجلسة انسحب ممثلو الدولة من الجلسة «لتطيير النصاب»، فاتفق على أن «يُطرح الموضوع في الجلسة ما بعد المقبلة على التصويت... بعد ترك مهلة لممثلي أصحاب العمل والعمال وممثلي الدولة للتشاور».
حتى أمس، لم تكن المعطيات الواردة في محضر الجلسة قد تغيّرت، لا بل أصبحت أكثر جذرية، فقد رفع 8 أعضاء من ممثلي العمال (من أصل 10 أعضاء هم ممثلو العمال) كتاباً إلى رئيس مجلس إدارة الصندوق طوبيا زخيا، يبلغونه فيه موقفهم النهائي بالموافقة على اعتماد التعرفات الموحدة، شرط زيادة معدلات الاشتراكات إلى 11% بدلاً من 9%. أما أصحاب العمل، فقد أوضح بعضهم لـ«الأخبار» أن «الوضع المالي للصندوق متردٍّ جداً، وبالتالي إن أي قرار يرتّب إنفاقاً إضافياً، مهما كان، يحتاج إلى التزامات مالية تغطّيه وتحدد مصادره. وبما أن الموازنة المالية للصندوق لا تغطّيها الدولة، بل أصحاب العمل، لذلك لا يمكن اعتبار قرار مجلس الوزراء ملزماً».
وأكد زخيا لـ«الأخبار» هذا الأمر، مشيراً إلى أن أي قرار لا يأخذ الوضع المالي للصندوق في الاعتبار هو قرار سياسي وليس قراراً مالياً، وبالتالي من أين ستأتي الأموال لسد العجز الحالي والكلفة الإضافية الناتجة من القرار؟