فراس خطيبالمحافل السياسية الإسرائيلية تبدو «متلهفةً» لزيارة البابا بنديكتوس السادس عشر إلى الديار المقدسة. فهي خطوة يراها الإسرائيليون «إيجابية» في الواقع السياسي الذي تحياه الدولة العبرية بعد عدوانها الأخير على قطاع غزة، وصعود حكومة اليمين المتطرف. إلا أنَّ هذا لم يمنع أعضاء كنيست من اليمين واليسار الصهيوني إعلان مقاطعة زيارة البابا نظراً لـ«ماضيه»، ليفتحوا سجالاً تاريخياً عن علاقة الدولة العبرية بالفاتيكان.
حاول الإسرائيليون إقناع المسؤولين في الفاتيكان تسمية الحدث «زيارة البابا إلى إسرائيل»، إلا أنَّهم لم ينجحوا، فسعوا من بعدها إلى إطلاق العناوين لإظهار السيادة على الزيارة: «80 ألف شرطي إسرائيلي سيحرسون زيارة البابا»، وأقروا بأن تكون بلدية القدس مركزاً إعلامياً للزيارة يُستضاف فيه الصحافيون، علماً بأنَّ ثمة الكثير من الأماكن الأكثر ملاءمة من البلدية. لكنَّ اختيار البلدية يحمل رسالة سياسية واضحة. وقد أعرب مسؤولون فلسطينيون عن غضبهم من هذه الخطوة.
اليمين الإسرائيلي سعى، منذ لحظة إعلان زيارة البابا، إلى مهاجمته. وقد أعلن رئيس الكنيست رؤوبين ريفلين بوصفه «إسرائيلياً ويهودياً» مقاطعة استقبال البابا في المطار. واكتفى باستقباله على مقربة من متحف المحرقة، بينما عمد يمينيون آخرون إلى إطلاق تصريحات علنية تدين «تاريخ البابا». وقد وصل الأمر إلى تقديم عضو الكنيست، ميخائيل بن آري، طلباً لإجراء «جلسة طارئة» تناقش زيارة البابا. رُفض الطلب، لكنَّ بن آري قال: «هذا البابا، كان في الشبيبة النازية، هتلر يوغند، هذا هو البابا الذي أعاد للكنيسة مطارنة ينكرون الكارثة (المحرقة)، وأعاد للبحث موضوع اتهام اليهود بقتل المسيح».
لم يكتف اليمين فقط بتاريخ الحرب العالمية، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، إلى حد مطالبة البابا بإعادة «أدوات سرقت في عهد الرومان من الهيكل الثاني»، منها «الثريا الذهبية». وبحسب صحيفة «معاريف»، فإنَّ مكان هذه الأدوات «ليس معروفاً». إلا أنَّ بعض الباحثين يقولون إنَّها «في مخازن الفاتيكان». وقالت الصحيفة إنَّ ناشطَي اليمين المتطرف، إيتمار بن غفير وباروخ مارزل، سيقدمان طلباً للمحكمة الإسرائيلية لاستصدار «أمر منع مغادرة (إسرائيل) ضد البابا».
هذه الزيارة الثالثة، التي يقوم بها أحد البابوات إلى الديار المقدسة منذ النكبة عام 1948. فقد زار البابا بولس السادس الأراضي المحتلة عام 1964، ثم توترت العلاقة بين الفاتيكان وإسرائيل بعد حرب الأيام الستة، واحتلال إسرائيل للقدس والأماكن المقدسة فيها. لكن العلاقات الدبلوماسية تجددت ضمن اتفاق مبدئي وقعه الجانبان في عام 1993. وفي عام 2000، قام البابا يوحنا بولس الثاني بالزيارة الثانية.
ويقول وديع أبو نصّار، ممن يقدمون الاستشارة الإعلامية للفاتيكان أثناء الزيارة الحالية، لـ«الأخبار»، إنَّها «علاقة متشعبة وتؤثر وتتأثر بالعديد من العوامل»، مضيفاً أن «تعريف دولة إسرائيل لنفسها بأنها دولة اليهود تجعل من العلاقة التاريخية الشائكة بين اليهود والكنيسة الكاثوليكية عنصراً بارزاً».
وفي ما يتعلق بقضايا أخرى، أضاف أبو نصّار: «هنالك قضايا عينية تؤثر على العلاقات، منها مكانة المؤسسات الكنسية وتعريفها، وحرية الحركة وتأشيرات الدخول لرجال الدين وقضايا ضريبية لا تزال تمثّل عوائق للانتقال نحو اتفاقات تفصيلية بين الجانبين بالرغم من مرور نحو 16 عاماً منذ توقيع الاتفاق المبدئي».
وكانت أنباء قد شاعت عن أنَّ الفاتيكان طالب الدولة العبرية، خلال مفاوضات بين الجانبين، نقل عددٍ من الأماكن المقدسة المسيحية لأيدي الفاتيكان. لكنَّ هذه الخطوة قوبلت بالغضب. وأقر مجلس الحاخامات الإسرائيلي، استباقاً لأي خطوة إسرائيلية، بأنَّه «ممنوع منح أو إعطاء أي جزء أو عقار من أرض إسرائيل إلى دولة الفاتيكان في الأماكن المقدسة التي تُعَدّ قلب القلب للشعب الإسرائيلي». وقال أحد الحاخامات إن «هذه سابقة تمثّل خطراً على القدس عاصمة الشعب اليهودي. هذا أمر مخجل تاريخياً ولم يكن ما هو مشابه في تاريخ الشعب اليهودي. لا يمكن طلب أماكن احتلت في الحملات الصليبية قبل 800 سنة، لأنَّها تابعة لنا منذ أكثر من 2000 سنة».
ويرى المحامي نبيل دكّور، من فلسطينيي 48، وهو كان قد كتب مقالة طرح فيها تساؤلات عن زيارة البابا، لـ«الأخبار»، أن زيارة البابا للأراضي المقدسة، بما في ذلك إلى الأراضي المحتلة عام 1967 «ليست ممكنة إلا في نطاق زيارةٍ إلى إسرائيل. وليس صدفة بدء الفاتيكان بإرسال البابوات لزيارة الأراضي المقدسة فقط بعد بدء عملية التفاوض بين الطرفين لعقد معاهدة شاملة، ولو كانت الزيارة دينية فقط لكان بابا الفاتيكان قد قرَّر زيارة الديار المقدسة منذ عشرات السنين أو على الأقل منذ زيارة البابا بولس السادس للمنطقة».