تساؤلات عن قدرتها على الصمود في وجه العوامل الطبيعيّةغزة ـ قيس صفدي
استقبل أصحاب المنازل المدمرة في غزّة الحديث عن إعادة إعمار المنازل بالطين على نحو من الغرابة، بينما رأى آخرون أن بيوت الطين تمثل خياراً أفضل من الخيام التي تتلاعب بها الرياح، في وقت لا يبدو فيه أن أزمة مواد البناء التي يمنع الاحتلال توريدها لقطاع غزة في طريقها للحل قريباً.
ومنذ أعلنت حكومة غزة، التي تقودها حركة «حماس»، خطةً تعدها لإعادة إعمار غزة وبناء منازل ومساجد ومنشآت من الطين للتغلب على الحصار، يسيطر هذا الحديث على جلسات أصحاب المنازل المدمرة. غير أن سلطة رام الله رأت في هذا التوجه «تفكيراً قاصراً وغير عملي»، لأنه «يعيد غزة إلى العصور الغابرة».
ولا تبدو آمال سليمان مقتنعة بفكرة الإعمار بالطين بدلاً من مواد البناء المعهودة، متسائلة: «هل يمكننا العودة عشرات السنين إلى الوراء والعيش في بيوت بدائية من الطين؟».
وتعتقد آمال (43 عاماًَ)، التي استشهد ابنها محمد في قصف إسرائيلي استهدف منزلها خلال الحرب على غزة، أن فكرة بناء المنازل من الطين لا تعدو «خيالاً»، مشيرةً إلى أن «الخلاف الداخلي والمناكفة ربما تكون الدافع وراء اللجوء إلى مثل هذا الأمر».
وتدور عشرات الأسئلة في ذهن آمال المقيمة مع أبنائها العشرة في مخيم اللجوء «المؤقت» شمال غزة. وتقول: «هل تصلح البيوت الطينية في عصرنا الحالي؟ وهل بإمكان هذه البيوت أن تواجه تغيرات الطبيعة وظروفها المتقلبة. وهل يمكن فعلاً بناء آلاف المنازل من الطين؟ وكيف سيكون شكل غزة بعد ذلك؟».
وتمنع سلطات الاحتلال الإسرائيلي توريد الحديد والأسمنت والأخشاب ومواد البناء الأخرى إلى غزة منذ تشديد الحصار عليها عقب سيطرة حركة «حماس» في منتصف حزيران 2007.
ودفع اليأس من العودة للعيش في منزل شبيه بذلك الذي فقدته خلال الحرب، أم أحمد خضر إلى استقبال فكرة البناء من الطين بكثير من الترحيب والارتياح. وقالت: «بيت من الطين أفضل بكثير من خيمة لا تصمد أمام الريح والمطر». وأضافت «بعد أيام من نصب الخيام، أمطرت السماء وعصفت الرياح فطارت خيمتنا ونقلت أبنائي التسعة إلى فجوةٍ بين ركام بيتنا المدمر»، مضيفةً: «ظللنا أياماً كذلك فأصيب أبنائي بالبرد». وزادت «زوجي عاطل من العمل منذ سنوات ولا يستطيع استجار بيت لنا مثل آخرين من أصحاب المنازل المدمرة». وترى في بيت الطين بديلاً أكثر أمناً من الخيام. وقالت: «البلد من سيّئ إلى أسوأ ولا يمكن للمشردين انتظار اتفاق فتح وحماس وأموال الدول المانحة».
وكان المواطن جهاد الشاعر قد بادر قبل إعلان حكومة «حماس» خطتها إلى تشييد منزل من الطين يؤويه وأسرته في منطقة «موراج» شمال غرب مدينة رفح جنوب القطاع. وقال «إنه شرع في بناء البيت من الطين بعدما فقد الأمل بإعادة فتح المعابر ودخول مواد البناء»، مؤكداً أن «الحياة في البيوت الطينية ممكنة وليست مستحيلة».
ورغم أن أبو خليل سلامة مقتنع بأن البيوت الطينية تعني العودة إلى «العصور الوسطى»، إلا أنه لا يمانع أن يقيم وأسرته المكونة من 12 فرداً في بيت طيني ينقذه وأسرته من التشتت والحرمان.
لكنه تساءل عن مدى ملاءمة مثل هذه البيوت للحياة العصرية، وهل بالإمكان أن تكون مزودة بالكهرباء والماء ووسائل الحياة الأخرى التي لا يمكن الاستغناء عنها، مضيفاً: «البيوت الطينية تعني البناء الأفقي لا العمودي، فهل ستكون هذه البيوت مناسبة للعائلات الكبيرة مثل عائلتي؟».
وكان نائب رئيس الوزراء في حكومة «حماس» وزير الاقتصاد الوطني زياد الظاظا كشف قبل أيام عن توجه الحكومة لإقامة منازل ومنشآت من الطين، في محاولة للتغلب على الحصار الإسرائيلي ومنع سلطات الاحتلال توريد مواد البناء للقطاع. وقال: «إن اشتداد الحصار دفع الحكومة للتفكير الجدي بإعادة صياغة منظومة إعادة الإعمار في القطاع».
وحمل حديث الظاظا عن خطة البناء من الطين إجابات عن تساؤلات أصحاب المنازل المدمرة، وقال: إن «المواد المستخدمة في البناء هي الطين والمواد الداخلة معه كقوة تماسك، وإعطاء مزيد من التحمل والاستفادة من الكركار والرمل والمواد المختلفة التي تدخل كقوة تماسك وقوى فاعلة في الخليط، بالإضافة إلى الاستفادة من أنقاض المنازل المدمرة».
وأكد الظاظا أن «الحكومة عملت التصميم والتحليل الإنشائي لهذه المنشآت وكيفية تنفيذها على الأرض وإمكان التوسع بها من مبانٍ سكنية إلى بناء المؤسسات والمدارس والعيادات والمباني السياحية»، لافتاً إلى أنه «سيبدأ ببناء نموذج عبارة عن مبنى من ثلاث طبقات بمساحة 250 متراً مربعاً، لتقديم المثل لمئات الفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم خلال الحرب».
لكن وزير التخطيط في حكومة رام الله، سمير عبد الله، رأى في هذا التوجه «تفكيراً قاصراً وغير عملي، ويفتقر إلى رؤية اقتصادية قادرة على النهوض بقطاع غزة». وقال: «كان الأجدى بحركة «حماس» أن تستجيب لجهود الوحدة بدلاً من إعادة القطاع إلى العصر الحجري، والتعاطي مع المتطلبات الدولية كطريق للاستفادة من تعهدات المانحين في مؤتمر شرم الشيخ، بغية إنهاء معاناة آلاف المشردين».