منطق الدولة ضمن الدولة ينطبق فعلياً على «سوليدير» التي استأثرت بحصّة كبيرة من المراسيم التي وضعت حداً فاصلاً مع الدولة اللبنانية المسخّرة لخدمتها، إذ عُدّل المخطط التوجيهي 34 مرّة وصدرت عشرات القرارات التي تعطيها امتيازات واستثناءات
محمد وهبة
منذ إنشائها في 22 تموز 1992 وتسجيلها النهائي في 10 أيار 1994 حتى اليوم، صدرت عشرات المراسيم التي تسمح بتمديد مساحة وعمر ونطاق الشركة اللبنانية لتطوير وسط بيروت التجاري «سوليدير»، فحصلت بطريقة شبه دورية على استثناءات وإعفاءات وخفوضات لا تجرؤ أي شركة أخرى على إدراجها ضمن أحلامها. ومن بين الكثير من المنافع والاستثناءت والعطاءات والامتيازات التي حصلت عليها «سوليدير» واستحصلتها لشركات البناء التي اشترت أراضي منها، نالت 9 مراسيم وقرارات حكومية تشرّع لها امتياز وضع اليد على أملاك الدولة.
ففي عام 1992 كانت مساحة الوسط التجاري 1.117 مليون متر مربع بين أملاك عامة وخاصة، ثم أُضيفت إليها مساحات بالجملة والمفرق في أوقات متفرّقة لتبلغ نحو 1.980 مليون متر مربع. تملّكت «سوليدير» العقارات المحددة بالمرسوم 2236، ثم ضمّ المرسوم 2786 أراضي «الشركة العقارية والمالية لمرفأ بيروت» والبالغة 83 ألف متر مربع معتبراً أنها أراضٍ عمومية ملحقة بمنطقة الوسط التجاري، ثم بدأت مشاريع ردم البحر وتوسيع مساحتها المعروفة باسم مكبّ النورماندي، وذلك بعد موافقة مجلس النواب «المشؤومة». وفي عام 1994 أقرّ مجلس الوزراء 3 مراسيم، وبعدها صدرت 3 مراسيم وقرار وزاري في عام 2007، وبنتيجتها ارتفعت المساحة المردومة من 240 ألف متر مربع إلى 780 ألفاً، أي بزيادة 540 ألفاً.
في مرحلة التوسعة الأولى في 1994، عُقد اتفاق بين «سوليدير» ومجلس الإنماء والإعمار لكي تقوم الشركة بتنفيذ كامل أشغال البنية التحتية للوسط التقليدي، وبأشغال «الردم الأصلي» و«الردم الإضافي» بكلفة تقريبية قدّرت بنحو 475 مليون دولار، على أن تدفع الدولة هذه الكلفة «نقداً أو بإعطائها (سوليدير) قسماً من الأراضي المستحدثة»، وأقرّ في المرسوم نفسه رقم 5665 مبدأ «التسديد العيني من أصل المساحات المستحدثة لجميع الأشغال التي ستترتّب على الدولة من أشغال ستقوم بها سوليدير في هذه المنطقة».
وبذلك، حصلت الشركة على نسبة 35 في المئة من المساحة الإجمالية البالغة في حينه 608 آلاف متر مربع، أي 212.8 ألف متر مربع، والباقي (395.2 ألف متر مربع) للدولة من ضمنها الطرقات والساحات والحدائق وأراضٍ للتطوير العقاري (لا يبقى منها للدولة أراضٍ قابلة للتطوير العقاري إلّا 16 ألف متر)... وذلك مقابل أعمال معالجة الردم وتنفيذ أشغال البنى التحتية في المنطقة الواقعة فيها هذه العقارات، وأن تقوم أيضاً بترتيب وإعادة إعمار المنطقة وترميم الأبنية وإنشاء الجديد منها وبيعها وتأجيرها واستثمارها وصيانتها. أي مقابل تطوير عقارات على الواجهة البحرية للعاصمة ستملكها وتستثمر فيها لتزيد أسعارها أضعافاً.
وتخصيص «سوليدير» لم يتوقف، إذ حصلت على امتياز رفع عامل الاستثمار في المنطقة إلى 5، وأعطيت مساحة 79 ألف متر إضافية من الأراضي المستحدثة في منطقة الردم لتسديد مبلغ 129 مليون دولار يمثل كلفة أشغال البنية التحتية في المنطقة التي سمّيت «الوسط التقليدي»، وحينها بلغت حصّة «سوليدير» من الأراضي المستحدثة 291.8 ألف متر مربع. ووفق نظام البناء المرفق بالمرسوم 4830 الصادر في آذار 1994 بلغت مساحة الهواء العقاري التي يحق لـ«سوليدير» تطويرها 4.5 ملايين متر هواء، بيع منها نحو 2.5 مليون متر حتى اليوم. ولا يمكن الشركة الحصول على مزيد من هذه الأمتار الهوائية إلا عبر مرسوم جديد تسعى إلى استصداره.
في المرحلة الثانية، أي منذ 1996 حتى 2007 صدرت 3 مراسيم وقرار وزاري واحد، فاتسعت المنطقة المردومة إلى 730 ألف متر مربع، وخُصّصت «سوليدير» باستثمار المرفأين الشرقي والغربي على جانبي الردم، فيما صدر القرار الوزاري 156 والقاضي بتوسعة الردم إلى 780 ألف متر لتشييد قصر المؤتمرات باستخدام ركام الضاحية الناتج من حرب تموز 2006.
وتتضمن هذه المرحلة أبرز عملية «وضع يد»، بحسب وزير سابق مطّلع على الملف. إذ إن وزير الأشغال العامة في حينه نجيب ميقاتي طرح مشروع المرسوم رقم 5714 على مجلس الوزراء، فعُرض فوراً على التصويت وجرى إمراره. ويعدّ هذا المرسوم الأكثر «وقاحة»، فهو ضمّ 24471 متراً مربعاً من أملاك الدولة الخاصة في منطقة الوسط وألحقها بالأملاك العمومية الداخلة ضمن نطاق مشروع «سوليدير» من دون أي تعويض. فهذه العقارات هي عبارة عن مبانٍ (محيط منطقة غاليري غندور) كانت الدولة قد استملكتها عام 1984 وتحوّلت إلى أراضٍ خاصة بالدولة. وهناك قسم من هذه الأمتار الموضوع اليد عليها كانت عبارة عن طرقات خاصة. لكن ليس واضحاً كيف جرى تسديد كلفة المرحلة الثانية، فالمبدأ المذكور في الاتفاقية بين مجلس الإنماء والشركة يعطي الأخيرة حق الحصول على أراضٍ في المنطقة المستحدثة مقابل أعمال التوسعة. غير أن الواقع وطبقاً للمعادلة التي تفيد أن سوليدير تحصل على 79 ألف متر مربع لقاء أعمال بقيمة 129 مليون دولار، بلغت كلفة متر الأرض المربع الواحد المردوم على الواجهة البحرية 1633 دولاراً، فيما خبراء العقارات يرون أن متوسط السعر في تلك الفترة كان 2500 دولار للمتر المربع الواحد، إلا أنه لم يُبع أيّ متر في هذه المنطقة بأقل من 4 آلاف دولار، أي إن قيمة متر الهواء قد تصل إلى 20 ألف دولار.