سُخّر مجلس الوزراء لخدمتها، فحصلت «سوليدير» على إعفاءات ضريبية وامتيازات وفّرت عليها أكثر من 156 مليون دولار، ونالت عقداً رضائياً قيمته لا تتجاوز 90 ألف دولار سنوياً لاستثمار المرفأين الغربي والشرقي... هذه دولة «سوليدير» القوية والقادرة
محمد وهبة
من أجل أن تحيا دولة «سوليدير» كان لا بد أن تحصل على امتيازات خاصة، وأن يكون لديها إعفاءات وتنفيعات تميّزها عن غيرها من الشركات، وهذا المستوى من التعامل الرسمي معها كان يُظهر مدى قوة «دولة سوليدير القوية والقادرة» وحجمها... وللمفارقة أن الشركة لا تزال مدينة حتى اليوم على الرغم من مرور 15 سنة على تأسيسها، ووضعها اليد على أراضٍ خاصة وعامة (مذكورة في الأخبار أمس)، فبعدما باعت أكثر من نصف حقوق الهواء العقاري تبيّن أن عليها ديوناً بلغت في أيلول 2008 نحو 45 مليون دولار.

إعفاءات ما قبل الولادة

في القانون رقم 117/95 الذي ينظّم عمل مجلس الإنماء والإعمار وعمل الشركة العقارية التي ستنشأ لاحقاً بموجب المرسوم 2537 بتاريخ 22 تموز 1992 تحت اسم «سوليدير»، وردت الإعفاءات الضريبية الآتية:
ــ تُعفى المقدمات العينية لتكوين رأس مال الشركة العقارية من معاملة التحقّق المنصوص عنها في المادة 86 من قانون التجارة. وهذا الإعفاء يلغي: تعيين خبير لتقدير المقدّمات، عرض التقرير على الجمعية التأسيسية، قبول التقرير، الاعتراضات على التقرير...
ــ تُستثنى من أحكام المادة الأولى من قانون تملك غير اللبنانيين، وتُعفى من الترخيص شرط أن يكون دائماً ثلث أعضاء مجلس الإدارة على الأقل من اللبنانيين، وأن يحظّر نظامها تملّك أي مساهم بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة أكثر من 10 في المئة من رأس مالها.
وفي الواقع تشير دراسة لـ«أصحاب الحقوق» إلى أنه جرى اعتبار المشترين العرب والأجانب بمثابة لبنانيين، وأُعفوا من علاوة الأجانب على رسم التسجيل العقاري، التي تقدّر بنحو 35 مليون دولار على مجمل مبيعات الشركة.
ــ تُعفى من رسوم الكاتب العدل العائدة للدولة ورسوم التسجيل في السجل التجاري ورسم الطابع على رأس المال، وتُعفى مقدماتها العينية من جميع رسوم الانتقال من أصحابها الأصليين إلى الشركة.
والمعروف أن رسوم التسجيل والانتقال التي كان يفترض أن تدفعها سوليدير بعد ضمّ العقارات الخاصة إليها تبلغ 65 مليون دولار لأن قيمة تخمين هذه العقارات بلغت 1.170 مليار دولار، واستردّ منها بقيمة 170 مليوناً، وبالتالي تُحتسب الضريبة بنسبة 6.5 في المئة من مليار دولار.
ــ تُعفى من ضريبة الدخل لمدة عشر سنوات من تاريخ تأسيسها، وتُعفى أسهمها ومساهموها بصفتهم مساهمين في الشركة فقط من ضريبة الباب الثالث من قانون ضريبة الدخل خلال المدة ذاتها.
فإذا احتُسبت قيمة هذا الإعفاء يتبيّن أنه يبلغ 32.5 مليون دولار على أساس أن أرباح «سوليدير» منذ نيسان 1994 حتى نيسان 2004 بلغت 260 مليون دولار، وكان بمعدل ضريبة الدخل في هذه الفترة 12.5 في المئة.
ــ تتملّك من دون مقابل الأجزاء من الأملاك العامة غير المبنية التي لا تدخل في الأملاك الجديدة، والتي تكون خاضعة للترتيب المنصوص عليه في القانون رقم 117/95.
ــ يجب أن تقوم لحساب الدولة وعلى نفقتها، وبموجب عقد بين الشركة ومجلس الإنماء والإعمار... بتمويل وتأمين تنفيذ أشغال البنية التحتية. أي إن هذه الأعمال وتمويلها وتنفيذها على نفقة الدولة، فما كانت الحاجة إلى «سوليدير»؟
حصلت الشركة، أيضاً، على إعفاء من رسم الاقتطاع على توزيع الأرباح، إذ بلغت قيمة هذه التوزيعات خلال أول 10 سنوات من عمرها 130 مليون دولار، وبلغ معدل رسم الاقتطاع 5 في المئة، أي إنها أُعفيت من 6.5 ملايين دولار.

استثمار «مجاني»

وبالتالي يتبيّن أن «سوليدير» نالت إعفاءات مباشرة بقيمة لا تقل عن 139 مليون دولار. إلا أن مطّلعين على ملف الشركة يرون أنها حصلت على الكثير من الإعفاءات المالية والبلدية ومن رسوم التطوير، وحصلت على خفوضات في المجالات التي كانت مجبرة على أن تدفع فيها رسوماً. فضلاً عن أن أصحاب الحقوق في الوسط يرون أنه كان يمكن الدولة أن تحصّل رسوماً من «سوليدير» على المساحات التي تملّكتها بوضع اليد مثل أراضي بلاطة المرفأ والأملاك على الواجهة البحرية (النورماندي) وأراضي الدولة الخاصة... وهي مبالغ تقدّر بأنها تبلغ 17.53 مليون دولار. وفي المحصّلة بلغت قيمة الإعفاءات المعروفة 156.53 مليون دولار.
ومن أبرز المنافع التي حصلت عليها «سوليدير» بما يشبه وضع اليد بواسطة مجلس الوزراء، المرسوم 8939 الذي يكلّفها استثمار مشروعي المرفأ الغربي والمرفأ الشرقي بعقد رضائي بقيمة زهيدة جداً، بعدما عدّهما ذوَي منفعة عامة. إذ عُهد إلى لجنة مؤلفة من المدير العام لوزارة المال والمدير العام لوزارة السياحة والمدير العام للتنظيم المدني ومدير الشؤون العقارية دراسة وإعداد شروط العقد الرضائي مع «سوليدير» لاستثمار المرفأين.
وبحسب وزير سابق مطّلع على تفاصيل الملف، حصلت الشركة على نحو 75 ألف متر مربع باستثمار كلفته 1800 ليرة للمتر الواحد سنوياً! أي إن الكلفة السنوية لمجمل الاستثمار بلغت 135 مليون ليرة سنوياً (90 ألف دولار)، فيما كان يمكن أن تستثمرهما الدولة بموجب مناقصة أو عقد (BOT) تصل قيمتها إلى عشرات ملايين الدولارات سنوياً.