خاص بالموقع | 12:01 AMاكتشف نوري المالكي أن «الديموقراطية التوافقية» تعرقل الحكم. اكتشاف متأخّر لأن المالكي نفسه، لم يصل إلى منصبه لولا «التوافقية» التي يتخوف البعض من أن تحل مكانها قاعدة وحيدة لحكم العراق: «المعاهدة الأميركية ـــــ العراقية»

بغداد ــ زيد الزبيدي
يثير الحديث عن «الديموقراطية التوافقية» الكثير من التساؤلات لدى العراقيين، وآخرها يتمحور حول ما قصده رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي أقرّ بعدم جدوى هذا النوع من الديموقراطية التي خلقت الكثير من المشاكل، وكانت رديفاً لمفهوم «المحاصصة الطائفية والعرقية والسياسية». كل ذلك في وقت يؤكد فيه الرئيس جلال الطالباني أن العراق، بتركيبته الديموغرافية، لا يمكن أن يُدار إلا بالطريقة التوافقية.
ويلاحظ المراقبون أن إقرار المالكي، الذي سانده النائب عن كتلة رئيس الوزراء السابق، إياد علاوي، عزت الشابندر، بفشل «الديموقراطية التوافقية» في العراق، يعني إقراراً بالجملة، بفشل «العملية السياسية» التي بناها الاحتلال على أسس المحاصصة. كذلك فإن هذا الإقرار يُعدّ مبرراً جاهزاً للمالكي لتعليق فشله السياسي والخدماتي والأمني، على شمّاعة المحاصصة، التي جعلت حكومته عاجزة عن التحرك في أي اتجاه يمكن أن يقدّم ولو خدمة بسيطة للمواطنين.
ويدرك العراقيون أن تعبير «الديموقراطية التوافقية»، يكاد يكون مشابهاً إلى حدّ كبير لتعبير «التحرير الكولونيالي»، الذي كان بدوره أساس بناء «العملية السياسية» في العراق. وهذان المفهومان أديا في النهاية إلى نتيجة واحدة، وهي تولي الحكام الحاليين مسؤولية الحكم، ووصول بعضهم إلى مراكز ما كانوا يحلمون بها في يوم من الأيام لولا انتماءاتهم الطائفية والعرقية.
وهكذا، يمكن فهم ما قاله الشابندر عن أنّ الدكتاتورية في العراق «تختبئ خلف الديموقراطية التوافقية، التي تُعدّ السبب الأول للإخفاق السياسي في العراق، وهي سبب المشاكل التي أصابت هذا البلد، وخلقت الدكتاتورية المختبئة وراء هذا المصطلح».
ولا ينكر أحد أن تولي المالكي رئاسة الحكومة، لم يحصل إلا من خلال «الديموقراطية التوافقية»، ومبدأ المحاصصة، لا من خلال كفاءته ومقدرته في منصبه السياسي السابق، أو عمله العسكري الذي أهّله لكي يكون قائداً عاماً للقوات المسلحة. حتى إنّ أياً من المسؤولين الحاليين لم تكن له اليد الطولى في تغيير النظام السابق.
وبحسب أحد المحللين السياسيين، فإنّ الديموقراطية التي أتى بها الاحتلال، كانت تعني في البداية «قل ما تشاء، ونحن نفعل ما نشاء»، أما الآن فتحولت إلى «قل ما نشاء، وافعل ونفعل ما نشاء».
ويتساءل المحلل نفسه: «ما معنى أن تكون الديموقراطية توافقية، أو تفاعلية، أو تكاثرية، أو أية تسميات أخرى، ما دامت هناك قوة عليا هي التي تضع الخطوط العامة لأية قضية، وترسم حتى سيناريوات الاختلاف والتفاهم حولها، لتصل في النتيجة إلى ما تريد؟».
وعلى أرض الواقع أيضاً، تتجسد «الديموقراطية»، وكذلك «الحرية» و«دولة القانون»، وغيرها من المسميات، بعنوان رئيسي، هو «مجهول»، نُسبت إليه مسؤولية قتل زهاء 300 صحافي وإعلامي، إضافة إلى الآلاف من العلماء والمثقفين والأساتذة الجامعيين والضباط والمواطنين العاديين.
لكن الطرح الجديد، المتعلق بالابتعاد عن الأسلوب التوافقي، أو مبدأ المحاصصة، لا يعني التلاعب بالألفاظ فقط، بل هو نوع من الاعتراف بالفشل الاستراتيجي للاحتلال وأدواته في إدارة البلاد خلال السنوات الست الماضية، ما يدفع إلى البحث عن صيغ جديدة، تحمل فشلها أيضاً، لأنها تنفذ بالأدوات نفسها، وهي مبنية على القواعد نفسها التي أتى بها الاحتلال وباتت تختصر بـ«المعاهدة الأمنية»، الملزمة بحماية الأمن الداخلي لحكومة أو حكومات المنطقة الخضراء.