إسرائيل ترفض طلبين للبابا بمنح المواطنة لعائلة فلسطينيّة وإدخال كهنة عربفراس خطيب
لا شك أن زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر إلى مدينة الناصرة تعدّ حدثاً تاريخياً في مكان لم يشهد الكثير من الأحداث التاريخية؛ فبعد بيت لحم المحتلة، ومخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين، جاء رأس الكنيسة الكاثوليكية ليكون قريباً من فلسطينيّي 48، الذين يعيشون على الجانب الآخر من الجدار.
جاء إلى الناصرة، التي اختيرت لإقامة قدّاس في الهواء عند جبل القفزة، حيث يقول الإنجيل إن المسيح تعرّض للاعتداء هناك من جانب مجموعة حاولت إلقاءه في جرف. والناصرة هي المدينة العربية الأكبر في الداخل، يسكنها قرابة سبعين ألف فلسطيني، 30 في المئة منهم من المسيحيين.
وكانت ثمة محاولات إسرائيلية لاستقبال البابا في مدينة حيفا بدلاً من الناصرة، إلّا أنَّ مندوبي الفاتيكان اختاروا الناصرة لمكانتها، وعندها، حوّلت الميزانيات للبلدية من أجل مراسم الاستقبال، وإقامة مدرّج خاص، احتضن أمس قرابة أربعين ألفاً من الفلسطينيّين والزاوّر.
البابا، الذي أحدثت كلمته في بيت لحم ضجة إعلامية، وصف الجدار بأنه «مأساوي» بالنسبة إلى غزّة، وإلى إقامة الدولة الفلسطينية، مشدّداً على دحض العنف و«لينبذ كل واحد القدرة المدمّرة للكراهية والأحكام المسبّقة التي تقتل النفس البشرية قبل الجسد».
وتطرّق البابا إلى «الأحداث المؤسفة»، التي شهدتها مدينة الناصرة بين المسلمين والمسيحيين قبل أعوام. وقال «للأسف، كما يعلم العالم، اختبرت الناصرة توترات في السنوات الأخيرة أضرت بالعلاقات بين الجماعتين المسلمة والمسيحية»، داعياً «الأشخاص من ذوي الإرادة الطيبة في كلتا الجماعتين إلى تصحيح الضرر الذي حصل والعمل لبناء الجسور وإيجاد طرق لتعايش سلمي، التزاماً بإيماننا المشترك بإله واحد».
وكان خلاف قد وقع بشأن بناء مسجد شهاب الدين على مقربة من ساحة كنيسة البشارة، وتوترت الأوضاع إلى أن وصلت إلى الشارع. لكن تدخّل الشخصيات الوطنية بدّد احتمال وقوع المدينة في جبّ المعارك الطائفية.
وعبّر البابا عن قلقه ممّا تراه الكنيسة الكاثوليكية تراجعاً للقيم الأسرية في شتى أنحاء العالم. وتحدث عن «الرباط المقدس»، الذي يربط بين الرجل والمرأة، وعن «قدسية الأسرة التي أراد لها الرب أن تقوم على إخلاص رجل وامرأة مدى الحياة يجمع بينهما رباط الزواج ليمنحهما الرب هبة حياة جديدة».
كما أقام البابا قداساً آخر في كنيسة البشارة، التي بنيت في الموقع الذي بشّرت فيه مريم العذراء بحمل السيد المسيح. هنا نشأ عيسى المسيح، وعاش غالبية سنين حياته فنُسِبَ إليها وسمّي «يسوع الناصري».
وكان بنديكتوس السادس عشر قد دعا، خلال لقائه أمس القادة الروحيين في الجليل، إلى «حماية الأطفال من التطرف». وأضاف إن «المسيحيين ينضمون إلى اليهود والمسلمين والدروز وأفراد سائر الديانات في الرغبة في حماية الأطفال من التطرف والعنف، مع تهيئتهم ليكونوا بناة عالم أفضل». وأضاف إن «الجليل أرض معروفة بتنوعها الديني والإثني، إنها أرض شعب يعلم جيداً الجهود المطلوبة للعيش في تعايش متجانس»، معتبراً ان «كلاً من تقاليدنا الدينية يتمتع بقدرة كبيرة على نشر ثقافة السلام». وأكد أن «السلام نفسه عطية من الله، رغم أنه لا يمكن بلوغه من دون جهود الإنسان».
وكان البابا قد عقد لقاءً في دير الرهبان الفرنسيسكان في الناصرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وصفه الفاتيكان بأنه «خاص». ونقلت الإذاعة الإسرائيلية العامة عن نتنياهو مطالبته البابا بأن «يُسمع صوته ضد إيران التي تسعى إلى القضاء على إسرائيل». ونقلت أيضاً عن البابا قوله إنه يستنكر تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، التي دعا فيها إلى شطب إسرائيل عن الخريطة، وإنه يستنكر التصريحات المعادية للسامية عموماً.
وأنهى رأس الكنيسة الكاثوليكية أمس، زيارته إلى «الأراضي المقدسة» بزيارة لكنيسة القيامة في القدس المحتلة، ثم عاد إلى روما في وقت لاحق بعد ثمانية أيام كاملة من «رحلة الحج» التي شملت الأردن وإسرائيل والأراضي الفلسطينية.
ولم تخلُ زيارة البابا من إهانة إسرائيلية، إذ رفض وزير الداخلية الإسرائيلي، إيلي يشاي، طلباً تقدّمت به كنيسة اللاتين بمنح زوجين فلسطينيين مسيحيين من القدس الشرقية، مكانة المواطنة أو الإقامة المؤقتة في فلسطين المحتلة، وذلك بعدما عرّضت امرأة فلسطينية نفسها للخطر أول من أمس، من أجل إلقاء رسالة إلى سيارة البابا تشرح فيها مظلوميتها.
ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن مصادر في مكتب يشاي قولها إن ثمة أسباباً عديدة لرفض طلب الزوجين، وبينها الجانب «الأمني». وعبرت المصادر عن «تخوفها» من أن منح مكانة «إقامة مؤقتة» للزوجين ستمكّنهما لاحقاً من الحصول على الجنسية والتجوال بحرية. لكن الإذاعة رأت أن رفض يشاي لطلب الكنيسة تسبّب بزيادة التوتر بين إسرائيل والفاتيكان.
وفي السياق نفسه، قال مسؤول إسرائيلي، إن وزير الداخلية رفض طلباً من الفاتيكان بإصدار تأشيرات لنحو 500 كاهن من مختلف الدول العربية، كانوا يرغبون في دخول الدولة العبرية.

(أ ف ب)